المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

تحدثت هذه السورة الكريمة عن إنزال القرآن من عند الله ، ووجوب الإيمان به وبمحمد صلى الله عليه وسلم والتصديق بالقيامة ، وعنيت بالتنبيه إلى الاعتبار بما أصاب السابقين الذين عصوا الله ورسله ، ودعت إلى العناية ببر الوالدين ورعاية حقوقهما ، وعرضت لقصة نفر من الجن استمعوا إلى القرآن الكريم ، وتواصوا بالإنصات له ، فوجدوه مصدقا لما جاء به الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، فآمنوا به ، ودعوا قومهم إلى ذلك ، وأنهت الحديث بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصبر على تكذيب قومه والتأسي في ذلك بما احتمله أولو العزم من الرسل قبله .

1- افتتحت هذه السورة ببعض الحروف على طريقة القرآن الكريم في افتتاح طائفة من سوره بالحروف .

   
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة الأحقاف مكية وآيتها خمس وثلاثون :

هذه السورة المكية تعالج قضية العقيدة . . قضية الإيمان بوحدانية الله وربوبيته المطلقة لهذا الوجود ومن فيه وما فيه . والإيمان بالوحي والرسالة وأن محمدا [ صلى الله عليه وسلم ] رسول سبقته الرسل ، أوحي إليه بالقرآن مصدقا لما بين يديه من الكتاب . والإيمان بالبعث وما وراءه من حساب وجزاء على ما كان في الحياة الدنيا من عمل وكسب ومن إحسان وإساءة .

هذه الأسس الأولى التي يقيم عليها الإسلام بناءه كله . ومن ثم عالجها القرآن في كل سوره المكية علاجا أساسيا ، وظل يتكئ عليها كذلك في سوره المدنية كلما هم بتوجيه أو تشريع للحياة بعد قيام الجماعة المسلمة والدولة الإسلامية . ذلك أن طبيعة هذا الدين تجعل قضية الإيمان بوحدانية الله سبحانه ، وبعثة محمد [ صلى الله عليه وسلم ] والإيمان بالآخرة وما فيها من جزاء . . هي المحور الذي تدور عليه آدابه ونظمه وشرائعه كلها ، وترتبط به أوثق ارتباط ؛ فتبقى حية حارة تنبعث من تأثير دائم بذلك الإيمان .

وتسلك السورة بهذه القضية إلى القلوب كل سبيل ؛ وتوقع فيها على كل وتر ؛ وتعرضها في مجالات شتى ، مصحوبة بمؤثرات كونية ونفسية وتاريخية . كما أنها تجعلها قضية الوجود كله - لا قضية البشر وحدهم - فتذكر طرفا من قصة الجن مع هذا القرآن كذكرها لموقف بعض بني إسرائيل منه . وتقيم من الفطرة الصادقة شاهدا كما تقيم من بعض بني إسرائيل شاهدا . سواء بسواء .

ثم هي تطوف بتلك القلوب في آفاق السماوات والأرض ، وفي مشاهد القيامة في الآخرة . كما تطوف بهم في مصرع قوم هود وفي مصارع القرى حول مكة . وتجعل من السماوات والأرض كتابا ينطق بالحق كما ينطق هذا القرآن بالحق على السواء .

ويمضي سياق السورة في أربعة أشواط مترابطة ، كأنها شوط واحد ذو أربعة مقاطع .

يبدأ الشوط الأول وتبدأ السورة معه بالحرفين : حا . ميم . كما بدأت السور الست قبلها . تليهما الإشارة الى كتاب القرآن والوحي به من عند الله : ( تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ) . . وعقبها مباشرة الإشارة الى كتاب الكون ، وقيامه على الحق ، وعلى التقدير والتدبير : ( ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ) . . فيتوافى كتاب القرآن المتلو وكتاب الكون المنظور على الحق والتقدير : ( والذين كفروا عما أنذروا معرضون ) .

وبعد هذا الافتتاح القوي الجامع يأخذ في عرض قضية العقيدة مبتدئا بإنكار ما كان عليه القوم من الشرك الذي لا يقوم على أساس من واقع الكون ، ولا يستند الى حق من القول ، ولا مأثور من العلم : ( قل : أرأيتم ما تدعون من دون الله ? أروني ماذا خلقوا من الأرض ? أم لهم شرك في السماوات ? ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين ) . . ويندد بضلال من يدعو من دون الله من لا يسمع لعابده ولا يستجيب . ثم هو يخاصمه يوم القيامة ويبرأ من عبادته في اليوم العصيب !

ويعرض بعد هذا سوء استقبالهم للحق الذي جاءهم به محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وقولهم له : ( هذا سحر مبين ) . . وترقيهم في الادعاء حتى ليزعمون أنه افتراه . ويلقن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن يرد عليهم الرد اللائق بالنبوة ، النابع من مخافة الله وتقواه ، وتفويض الأمر كله إليه في الدنيا والآخرة : ( قل : إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا . هو أعلم بما تفيضون فيه . كفى به شهيدا بيني وبينكم ، وهو الغفور الرحيم . قل : ما كنت بدعا من الرسل ، وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ، إن أتبع إلا ما يوحى إلي ، وما أنا إلا نذير مبين ) . . ويحاججهم بموقف بعض من اهتدى للحق من بني إسرائيل حينما رأى في القرآن مصداق ما يعرف من كتاب موسى - عليه السلام - : ( فآمن واستكبرتم ) . . ويندد بظلمهم بالإصرار على التكذيب بعد شهادة أهل الكتاب العارفين : ( إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) . .

ويستطرد في عرض تعلاتهم ومعاذيرهم الواهية عن هذا الإصرار ، وهم يقولون عن المؤمنين : ( لو كان خيرا ما سبقونا إليه . . ) ويكشف عن علة هذا الموقف المنكر : ( وإذ لم يهتدوا به فسيقولون : هذا إفك قديم ! . )

ويشير إلى كتاب موسى من قبله ، وإلى تصديق هذا القرآن له ، وإلى وظيفته ومهمته : ( لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ) . .

ويختم هذا الشوط بتفصيل هذه البشرى لمن صدق بالله واستقام على الطريق : ( إن الذين قالوا : ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ) . .

ويعرض الشوط الثاني نموذجين للفطرة البشرية : المستقيمة والمنحرفة ، في مواجهة قضية العقيدة . ويبدأ معهما من النشأة الأولى ، وهما في أحضان والديهم . ويتابع تصرفهما عند بلوغ الرشد والتبعة والاختيار . فأما الأول فشاعر بنعمة الله بار بوالديه ، راغب في الوفاء بواجب الشكر ، تائب ضارع مستسلم منيب : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة ، وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) . . وأما الآخر فعاق لوالديه كما هو عاق لربه ، وهو جاحد منكر للآخرة ، وهما به ضيقان متعبان : ( أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ، إنهم كانوا خاسرين ) . .

ويختم هذا الشوط بمشهد سريع من مشاهد القيامة يعرض فيه مصير هذا الفريق : ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار . أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ، وبما كنتم تفسقون ) . .

والشوط الثالث يرجع بهم إلى مصرع عاد ، عندما كذبوا بالنذير . ويعرض من القصة حلقة الريح العقيم ، التي توقعوا فيها الري والحياة ؛ فإذا بها تحمل إليهم الهلاك والدمار ، والعذاب الذي استعجلوا به وطلبوه : ( فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا : هذا عارض ممطرنا ، بل هو ما استعجلتم به ، ريح فيها عذاب أليم ، تدمر كل شيء بأمر ربها ، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ، كذلك نجزي القوم المجرمين ) . . ويلمس قلوبهم بهذا المصرع ، وهو يذكرهم بأن عادا كانوا أشد منهم قوة وأكثر ثروة : ( ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه ، وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ، فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء . إذ كانوا يجحدون بآيات الله ، وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون ) . . ويذكرهم في نهاية الشوط مصارع ما حولهم من القرى ، وعجز آلهتهم المدعاة عن نصرتهم ، وظهور إفكهم وافترائهم . لعلهم يتأثرون ويرجعون . .

ويتناول الشوط الرابع قصة نفر من الجن مع هذا القرآن ، حين صرفهم الله لاستماعه ، فلم يملكوا أنفسهم من التأثر والاستجابة ، والشهادة له بأنه الحق : ( مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) . . وعادوا ينذرون قومهم ويحذرونهم ويدعونهم إلى الإيمان : يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ، يغفر لكم من ذنوبكم ، ويجركم من عذاب أليم . ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض ، وليس له من دونه أولياء ، أولئك في ضلال مبين ) . .

وتتضمن مقالة النفر من الجن الإشارة إلى كتاب الكون المفتوح الناطق بقدرة الله على البدء والإعادة : ( أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى ? بلى إنه على كل شيء قدير ) . .

وهنا يلمس قلوبهم بمشهد الذين كفروا يوم يعرضون على النار ، فيقرون بما كانوا ينكرون ، ولكن حيث لا مجال لإقرار أو يقين !

وتختم السورة بتوجيه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى الصبر وعدم الاستعجال لهم بالعذاب ، فإنما هو أجل قصير يمهلونه ، ثم يأتيهم العذاب والهلاك : ( فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ، كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار . بلاغ . فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ? ) . .

والآن نأخذ فى تفصيل هذه الأشواط . .

( حم . تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم . ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى ، والذين كفروا عما أنذروا معرضون ) . .

هذا هو الإيقاع الأول في مطلع السورة ؛ وهو يلمس العلاقة بين الأحرف العربية التي يتداولها كلامهم ، والكتاب المصوغ من جنس هذه الأحرف على غير مثال من كلام البشر ، وشهادة هذه الظاهرة بأنه تنزيل من الله العزيز الحكيم . كما يلمس العلاقة بين كتاب الله المتلو المنزل من عنده ، وكتاب الله المنظور المصنوع بيده . كتاب هذا الكون الذي تراه العيون ، وتقرؤه القلوب .

وكلا الكتابين قائم على الحق وعلى التدبير . فتنزيل الكتاب ( من الله العزيز الحكيم )هو مظهر للقدرة وموضع للحكمة .

   
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

بسم الله الرحمَن الرحيم

القول في تأويل قوله تعالى : { حمَ * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * مَا خَلَقْنَا السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلاّ بِالْحَقّ وَأَجَلٍ مّسَمًى وَالّذِينَ كَفَرُواْ عَمّآ أُنذِرُواْ مُعْرِضُونَ } .

قد تقدّم بيانُنا في معنى قوله : حم .

   
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم سورة الأحقاف هذه السورة مكية ولم يختلف منها الا في آيتين وهي قوله { قل أرأيتم إن كان من عند الله }{[1]} [ الأحقاف 10 ]الآية وقوله : { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل }الآية{[2]} ، فقال بعض المفسرين هاتان آيتان مدنيتان وضعتا في سورة مكية .

تقدم القول في الحروف المقطعة التي في أوائل السور .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[2]:- ولم يكن الله ليمتن على رسوله بإيتائه فاتحة الكتاب وهو بمكة، ثم ينزلها بالمدينة، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة بضع عشرة سنة يصلي بلا فاتحة الكتاب، هذا ما لا تقبله العقول، قاله الواحدي. وقوله تعالى: (ولقد آتيناك...) هو من الآية رقم (87) من سورة الحجر.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{حمٓ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة { سورة الأحقاف } في جميع المصاحف وكتب السنة ، ووردت تسميتها بهذا الاسم في كلام عبد الله بن عباس . روى أحمد بن حنبل بسند جيد عن ابن عباس قال أقرأني رسول الله سورة من آل حم وهي الأحقاف ، وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين .

وكذلك وردت تسميتها في كلام عبد الله بن مسعود أخرج الحاكم بسند صححه عن ابن مسعود قال : أقرأني رسول الله سورة الأحقاف الحديث .

وحديث ابن عباس السابق يقتضي أنها تسمى ثلاثين إلا أن ذلك لا يختص بها قلا يعد من أسمائها . ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور ذات أكثر من اسم .

ووجه تسميتها { الأحقاف } ورود لفظ الأحقاف فيها ولم يرد في غيرها من سور القرآن .

وهي مكية قال القرطبي : باتفاق جميعهم ، وفي إطلاق كثير من المفسرين . وبعض المفسرين نسبوا استثناء آيات منها الى بعض القائلين ، فحكى ابن عطية استثناء آيتين هما قوله تعالى { قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به } إلى { الظالمين } فإنها أشارت إلى إسلام عبد الله بن سلام وهو إنما أسلم بعد الهجرة ، وقوله { فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل } . وفي الإتقان ثلاثة أقوال باستثناء آيات ثلاث منها الاثنتان اللتان ذكرهما ابن عطية والثالثة { ووصينا الإنسان بوالديه } إلى قوله { خاسرين } . وسيأتي ما يقتضي أنها نزلت بعد مضي عامين من البعثة وأسانيد جميعها متفاوتة . وأقواها ما روي في الآية الأولى منها ، وسنبين ذلك عند الكلام عليها في مواضعها .

وهذه السورة معدودة الخامسة والستين في عداد نزول السور ، نزلت بعد الجاثية وقبل الذاريات .

وعدت آيها عند جمهور أهل الأمصار أربعا وثلاثين ، وعدها أهل الكوفة خمسا وثلاثين والاختلاف في ذلك مبني على أن { حم } تعتبر آية مستقلة أو لا .

أغراضها

من الأغراض التي اشتملت عليها أنها افتتحت مثل سورة الجاثية بما يشير إلى إعجاز القرآن للاستدلال على أنه منزل من عند الله .

والاستدلال بإتقان خلق السماوات والأرض على التفرد بالإلهية ، وعلى إثبات جزاء الأعمال .

والإشارة إلى وقوع الجزاء بعد البعث وأن هذا العالم صائر إلى فناء .

وإبطال الشركاء في الإلهية . والتدليل على خلوهم عن صفات الإلهية .

وإبطال أن يكون القرآن من صنع غير الله .

وإثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم واستشهاد الله تعالى على صدق رسالته واستشهاد شاهد بني إسرائيل وهو عبد الله بن سلام .

والثناء على الذين آمنوا بالقرآن وذكر بعض خصالهم الحميدة وما يضادها من خصال أهل الكفر وحسدهم الذي بعثهم على تكذيبه .

وذكرت معجزة إيمان الجن بالقرآن .

وختمت السورة بتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم .

وأقحم في ذلك معاملة الوالدين والذرية مما هو من خلق المؤمنين ، وما هو من خلق أهل الضلالة .

والعبرة بضلالهم مع ما كانوا عليه من القوة ، وأن الله أخذهم بكفرهم وأهلك أمما أخرى فجعلهم عظة للمكذبين وأن جميعهم لم تغن عنهم أربابهم المكذوبة .

وقد أشبهت كثيرا من أغراض سورة الجاثية مع تفنن .

تقدم القول في نظيره في أول سورة غافر . وهذه جملة مستقلّة مثل نظائرها من الحروف المقطعة في أوائل من سور القرآن .