{ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ } فلا يتصرف منهم متصرف ، ولا يتحرك متحرك ، ولا يسكن ساكن ، إلا بمشيئته ، وليس للملوك وغيرهم الخروج عن ملكه وسلطانه ، بل هم مدبرون مقهورون ، فإذا كان هو القاهر وغيره مقهورا ، كان هو المستحق للعبادة .
{ وَهُوَ الْحَكِيمُ } فيما أمر به ونهى ، وأثاب ، وعاقب ، وفيما خلق وقدر . { الْخَبِيرُ } المطلع على السرائر والضمائر وخفايا الأمور ، وهذا كله من أدلة التوحيد .
ثم إنه لماذا يتخذ غير الله وليا ، ويعرض نفسه للشرك الذي نهى عنه وللمخالفة عن الإسلام الذي أمر به ، ولما يعقب المعصية من هذا العذاب الهائل الرعيب ؟ . . ألعل ذلك رجاء جلب نفع أو دفع ضر في هذه الحياة الدنيا ؟ رجاء نصرة الناس له في الضراء ؛ ورجاء نفع الناس له بالسراء ؟ . . إن هذا كله بيد الله ؛ وله القدرة المطلقة في عالم الأسباب ؛ وله القهر كذلك على العباد ؛ وعنده الحكمة والخبرة في المنع والعطاء :
( وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو ، وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير . وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ) . .
إنه تتبع هواجس النفس ووساوس الصدر ؛ وتتبع مكامن الرغائب والمخافات ، ومطارح الظنون والشبهات وتجليه هذا كله بنور العقيدة ، وفرقان الإيمان ، ووضوح التصور ، وصدق المعرفة بحقيقة الألوهية . ذلك لخطورة القضية التي يعالجها السياق القرآني في هذا الموضع ، وفي جملة هذا القرآن :
أي : هو الذي خضعت له الرقاب ، وذلت له الجبابرة ، وعنت له الوجوه ، وقهر كل شيء ودانت له الخلائق ، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته الأشياء ، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره{[10601]}
{ وَهُوَ الْحَكِيمُ } أي : في جميع ما يفعله { الْخَبِيرُ } بمواضع الأشياء ومحالها ، فلا يعطي إلا لمن يستحق ولا يمنع إلا من يستحق .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } . .
يعني تعالى ذكره بقوله : «وهو » نفسه يقول : والله القاهر فوق عباده . ويعني بقوله : القاهِرُ : المذلل المستعبد خلقه العالي عليهم . وإنما قال : «فوق عباده » ، لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم ، ومن صفة كلّ قاهر شيئا أن يكون مستعليا عليه .
فمعنى الكلام إذن : والله الغالب عباده ، المذلّلهم ، العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم ، فهو فوقهم بقهره إياهم ، وهم دونه . وهُوَ الحَكِيمُ يقول : والله الحكيم في علّوه على عباده وقهره إياهم بقدرته وفي سائر تدبيره ، الخبير بمصالح الأشياء ومضارّها ، الذي لا يخفى عليه عواقب الأمور وبواديها ، ولا يقع في تدبيره خلل ، ولا يدخل حكمه دخل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وهو القاهر} لخلقه، {فوق عباده}، قد علاهم وقهرهم، {وهو الحكيم} في أمره {الخبير} بخلقه.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره بقوله: «وهو» نفسه، يقول: والله القاهر فوق عباده. ويعني بقوله:"القاهِرُ": المذلل المستعبد خلقه العالي عليهم. وإنما قال: «فوق عباده»، لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم، ومن صفة كلّ قاهر شيئا أن يكون مستعليا عليه.
فمعنى الكلام إذن: والله الغالب عباده، المذلّلهم، العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه. "وهُوَ الحَكِيمُ": والله الحكيم في علّوه على عباده وقهره إياهم بقدرته وفي سائر تدبيره، الخبير بمصالح الأشياء ومضارّها، الذي لا يخفى عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبيره خلل، ولا يدخل حكمه دخل.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} [في] هذه الآية والآية الأولى ذكر أصل التوحيد لأنه أخبر أن ما يصيب العباد من الضرر والشدة لا كاشف لذلك إلا هو، ولا يدفع ذلك عنهم، ولا يصرف إلا الله، وأن ما يصيبهم من الخير إنما يصيب ذلك بالله، وأخبر أنه {على كل شيء قدير}. وفي قوله تعالى: {وهو القاهر فوق عباده} إخبار أنه قاهر، يقهر الخلق عزيز قادر، وله سلطان عليهم، وأنهم أذلاء تحت سلطانه. وفي قوله تعالى: {فوق عباده} إخبار بالعلو له والعظمة وبالتعالي عن أشباه الخلق {وهو الحكيم} يضع كل شيء موضعه {الخبير} بما يسرون وما يعلنون؛ إخبار أنه لا يخفى عليه شيء وأنه يملك وضع كل شيء موضعه وأن ما يصيبهم من الضر والشدة إنما يكون به لا يملك أحد صرفه، وأن ما ضر أحد أحدا في الشاهد أو نفع أحد أحدا إنما يكون ذلك بالله في الحقيقة...
الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي 427 هـ :
{وَهُوَ الْقَاهِرُ} القادر الغالب {فَوْقَ عِبَادِهِ} وفي القهر معنى زائد على القدرة وهو منع غيره عن بلوغ المراد. {وَهُوَ الْحَكِيمُ} في أمره {الْخَبِيرُ} بما جاء من عباده.
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
{وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير} (18). 376- {وهو القاهر فوق عباده} إن الفوق اسم مشترك يطلق لمعنيين: أحدهما: نسبة جسم إلى جسم بان يكون أحدهما أعلى والآخر أسفل، يعني الأعلى من جانب الرأس الأسفل، وقد يطلق لفوقية الرتبة، وبهذا يقال: الخليفة فوق السلطان، والسلطان فوق الوزير، كما يقال: الحلم فوق العلم، والأول يستدعي جسما ينسب إلى جسم، والثاني لا يستدعيه. فليعتقد المؤمن قطعا أن الأول غير مراد، وأنه على الله تعالى محال، فإنه من لوازم الأجسام أو لوازم أعراض الأجسام، وإذا عرف نفي هذا المحال فلا عليه، وإن لم يعرف أنه لماذا أطلق؟ وهذا ما أريد؟ فقس على ما ذكرناه ما لم نذكره [المستصفى: 1/362]...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{فَوْقَ عِبَادِهِ} تصوير للقهر والعلوّ بالغلبة والقدرة...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
وحقيقة فوق في الأماكن، وهي في المعاني مستعارة شبه بها من هو أرفع رتبة في معنى ما، لما كانت في الأماكن تنبئ حقيقة عن الأرفع.. و «العباد» بمعنى العبيد وهما جمعان للعبد، أما أنا نجد ورود لفظة العباد في القرآن وغيره في مواضع تفخيم أو ترفيع أو كرامة، وورود لفظ العبيد في تحقير أو استضعاف أو قصد ذم...و {الحكيم} بمعنى المحكم، و {الخبير} دالة على مبالغة العلم، وهما وصفان مناسبان لنمط الآية.
المسألة الأولى: اعلم أن صفات الكمال محصورة في القدرة والعلم... فقوله {وهو القاهر فوق عباده} إشارة إلى كمال القدرة، وقوله {وهو الحكيم الخبير} إشارة إلى كمال العلم. وقوله {وهو القاهر} يفيد الحصر ومعناه أنه لا موصوف بكمال القدرة وكمال العلم إلا الحق سبحانه، وعند هذا يظهر أنه لا كامل إلا هو، وكل من سواه فهو ناقص...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي: هو الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الجبابرة، وعنت له الوجوه، وقهر كل شيء ودانت له الخلائق، وتواضعت لعظمة جلاله وكبريائه وعظمته وعلوه وقدرته الأشياء، واستكانت وتضاءلت بين يديه وتحت حكمه وقهره {وَهُوَ الْحَكِيمُ} أي: في جميع ما يفعله {الْخَبِيرُ} بمواضع الأشياء ومحالها، فلا يعطي إلا لمن يستحق ولا يمنع إلا من يستحق.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وهو القاهر} أي الذي يعمل مراده كله ويمنع غيره مراده إن شاء، وصور قهره وحققه لتمكن الغلبة بقوله: {فوق عباده} وكل ما سواه عبد؛ ولما كان في القهر ما يكون مذموماً، نفاه بقوله: {وهو} أي وحده {الحكيم} فلا يوصل أثر القهر بإيقاع المكروه إلا لمستحق، وأتم المعنى بقوله: {الخبير} أي بما يستحق كل شيء، فتمت الأدلة على عظيم سلطانه وأنه لا فاعل غيره.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
{وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير (18)} فسر أهل اللغة القهر بالغلبة والأخذ من فوق وبالإذلال، وقال الراغب القهر الغلبة والتذليل معا ويستعمل في كل واحد منهما. وقد جاءت هذه الآية بعد إثبات كمال القدرة لله تعالى فيما قبلها تثبت له جل وعلا كمال السلطان والتسخير لجميع عباده والاستعلاء عليهم مع كمال الحكمة والعلم المحيط بخفايا الأمور، ليرشدنا إلى أن من اتخذ منهم وليا من دونه، فقد ضل ضلالا بعيدا لإشراكه ومقارنته بين الرب القاهر العلي الكبير الحكيم الخبير، وبين العبد المربوب المقهور المذلل المسخر الذي لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فإذا كان هكذا شأن الرب وهذه صفاته فلا ينبغي للمؤمن به أن يتخذ وليا من عباده المقهورين تحت سلطان عزته، المذللين لسننه التي اقتضتها حكمته وعلمه بتدبير الأمر في خلقه، لأن أفضل المخلوقات وأكملهم مساوون لغيرهم في العبودية لله والذل له، وكونهم لا حول لهم ولا قوة بأنفسهم، ولم يجعل من خصائص أحد منهم أن يشاركه في التصرف في خلقه ولا في كونه يدعى معه ولا وحده لكشف ضر ولا جلب نفع {فلا تدعوا مع الله أحدا} [الجن: 18] {بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء} [الأنعام: 41] {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا} [الإسراء: 56] الخ.
وقد فسر ابن جرير الآية بقوله: والله الغالب عباده المذل لهم العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه، وهو الحكيم في علوه على عباده وقهره إياهم بقدرته وسائر تدبيره، الخبير بمصالح الأشياء ومضارها، الذي لا تخفى عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبيره خلل، ولا يدخل حكمته دخل. اه.
وذهبت المعتزلة والأشاعرة إلى أن قوله تعالى: {فوق عباده} تصوير لقهره وعلوه بالغلبة والقهر. صرح بذلك الزمخشري وتبعه بعض الأشاعرة (كالبيضاوي) بنقل عبارته بنصها، وبعضهم (كالرازي) بنقلها وإطالة الدلائل النظرية بإثبات مضمونها، ومنع إرادة فوقية الذات وإطلاق صفة العلو على الله، إذ جعل ذلك قولا بتحيز الباري في جهة معينة وأطال في سرد الدلائل النظرية على استحالة ذلك، ولفظ الآية لا يأبى ما فسره به الزمخشري وأمثاله، لأن له نظيرا ذكروه في تفسيرها وهو قوله تعالى حكاية عن فرعون {وإنا فوقهم قاهرون} [الأعراف: 127] وبديهي أنه يعني فوقية المكانة المعنوية لا المكان، ولو اكتفوا بهذا لكان حسنا لأنه في معنى ما نقل عن مفسري السلف كابن جرير ولكن منهم من شنع على السلف الصالحين وسماهم حشوية لعدم تأويلهم الآيات والأحاديث الصحيحة الناطقة بإثبات صفة العلو المطلق لله تعالى، فسلف الأمة يمرون هذه الآيات بغير تأويل، ويقولون إن الله مستو على عرشه فوق السموات وفوق العالم كله، وإنه بائن من خلقه، وإنه مع ذلك ليس كمثله شيء، فليس بمحدود ولا محصور ولا متحيز، فهذه اللوازم التي يبني عليها الجهمية وتلاميذهم تأويل صفة العلو مبنية كلها على قياس الخالق على المخلوق والقديم على المحدث.
ومن المعلوم أن جميع ما أطلق على الله تعالى من الصفات حتى العلم والقدرة والإرادة فإنما وضع في أصل اللغة لصفات البشر وهي مباينة لصفات الله تعالى، فلماذا يخصون بعضها بالتأويل دون بعض، فالحق الذي مضى على سلف الأمة أن الله تعالى يوصف بكل ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم وإن جميع تلك الصفات تطلق عليه مع تنزهيه عن مشابهة من تطلق عليهم ألفاظها من الخلق، فعلم الله وقدرته وكلامه وعلوه وسائر صفاته شؤون تليق به لا تشبه علم المخلوقين وقدرتهم وكلامهم وعلو بعضهم على بعض. وقد انتهى سخف بعض المتكلمين في التأويل إلى جعل صفات الباري تعالى سلبية، وقد تقدم شيء من هذا البحث وسنعود إليه إن شاء الله تعالى.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
هذه الجملة معطوفة على جملة {وإن يمسسك الله بضرّ} [الأنعام: 17] الآية، والمناسبة بينهما أنّ مضمون كلتيهما يبطل استحقاق الأصنام العبادة. فالآية الأولى أبطلت ذلك بنفي أن يكون للأصنام تصرّف في أحوال المخلوقات، وهذه الآية أبطلت أن يكون غير الله قاهراً على أحد أو خبيراً أو عالماً بإعطاء كل مخلوق ما يناسبه، ولا جرم أنّ الإله تجب له القدرة والعلم، وهما جماع صفات الكمال، كما تجب له صفات الأفعال من نفع وضرّ وإحياء وإماتة...
ولذلك تتنزّل هذه الآية من التي قبلها منزلة التعميم بعد التخصيص لأنّ التي قبلها ذكرت كمال تصرّفه في المخلوقات وجاءت به في قالب تثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم كما قدّمنا، وهذه الآية أوعت قدرته على كلّ شيء وعلمه بكلّ شيء، وذلك أصل جميع الفعل والصنع.
والقاهر الغالب المُكرِه الذي لا ينفلت من قدرته من عُدّي إليه فعل القهر.
وقد أفاد تعريف الجزأين القصر، أي لا قاهر إلاّ هو، لأنّ قهر الله تعالى هو القهر الحقيقي الذي لا يجد المقهور منه ملاذاً، لأنّه قهر بأسباب لا يستطيع أحد خلق ما يدافعها. وممّا يشاهد منها دوماً النوم وكذلك الموتُ. سبحان من قهر العباد بالموت.
و {فوق} ظرف متعلَّق بِ {القاهر}، وهو استعارة تمثيلية لحالة القاهر بأنَّه كالذي يأخذ المغلوب من أعلاه فلا يجد معالجة ولا حراكاً. وهو تمثيل بديع ومنه قوله تعالى حكاية عن فرعون {وإنّا فوقهم قاهرون} [الأعراف: 127].
ولا يفهم من ذلك جهة هي في علوّ كما قد يتوهّم، فلا تعدّ هذه الآية من المتشابهات.
والعباد: هم المخلوقون من العقلاء، فلا يقال للدوابّ عباد الله، وهو في الأصل جمع عبد لكن الاستعمال خصّه بالمخلوقات، وخصّ العبيد بجمع عبد بمعنى المملوك.
ومعنى القهر فوق العباد أنّه خالق ما لا يدخل تحت قُدرهم بحيث يوجدُ ما لا يريدون وجوده كالموت، ويمنع ما يريدون تحصيله كالولد للعقيم والجهل بكثير من الأشياء، بحيث إنّ كلّ أحد يجد في نفسه أموراً يستطيع فعلها وأموراً لا يستطيع فعلها وأموراً يفعلها تارة ولا يستطيع فعلها تارة، كالمشي لمن خَدِرت رجله؛ فيعلم كلّ أحد أنّ الله هو خالق القُدر والاستطاعات لأنّه قد يمنعها، ولأنّه يخلق ما يخرج عن مقدور البشر، ثم يقيس العقل عوالم الغيب على عالم الشهادة. وقد خلق الله العناصر والقوى وسلّط بعضها على بعض فلا يستطيع المدافعة إلاّ ما خوّلها الله.
والحكيم: المحكم المتقن للمصنوعات، فعيل بمعنى مفعل، وقد تقدّم في قوله: {فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم} في سورة [البقرة: 209] وفي مواضع كثيرة.
والخبير: مبالغة في اسم الفاعل من (خَبَر) المتعدّي، بمعنى (علم)، يقال: خبر الأمر، إذا علمه وجرّبه. وقد قيل: إنّه مشتقّ من الخَبر لأنّ الشيء إذا علم أمكن الإخبار به.
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
معاني هذه الآية الكريمة جامعة لكل سلطان الله على عباده في السماء والأرض، فهو الغالب على كل شيء لا إرادة لأحد مع إرادته وإرادته فوق كل إرادة، فهو المسيطر سيطرة كاملة على عباده والفوقية المذكورة في النص الكريم هي فوقية سلطان لا فوقية مكان، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وفي الآية التي تليها إِكمال للبحث، فيقول: (وهو القاهر فوق عباده). «القاهر» و«الغالب» وإن كانا بمعنى واحد، إِلاّ أنّهما من جذرين مختلفين، «القهر» يطلق على ذلك النصر الذي يتحقق دون أن يتمكن الطرف المقهور من إِبداء أية مقاومة، وفي كلمة «الغلبة» لا يوجد هذا المعنى، وقد تحصل بعد المقاومة، وبعبارة أُخرى: القاهر يقال لمن يكون تسلطه على الطرف الآخر من الشمول بحيث إنّه لا يستطيع المقاومة مطلقاً كصبّ سطل من الماء على جذوة صغيرة من النّار فيطفئها فوراً...وعليه إِذا كانت الآية السابقة تشير إِلى شمول قدرة الله إزاء المعبودات الزائفة الأُخرى وأصحاب القوّة، فذلك لا يعني أنّه مضطر إِلى الدخول مدّة في صراع مع تلك القوى كي يتغلب عليها، بل يعني أنّ قدرته قاهرة، وقد جاء تعبير (فوق عباده) لتأكيد هذا المعنى...ولإِزالة كل وهم قد يخطر لأحدهم بأنّ الله قد يسيء استعمال قدرته غير المتناهية كما هو الحال في ذوي القدرة من البشر، يقول القرآن: (وهو الحكيم الخبير) أي أنّه صاحب حكمة وكل أعماله محسوبة، لأنه خبير وعالم ولا يخطئ في استعمال قدرته أبداً.