{ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } أي : بسهولة ما أمركم به و [ ما ] نهاكم عنه ، ثم مع حصول المشقة في بعض الشرائع أباح لكم ما تقتضيه حاجتكم ، كالميتة والدم ونحوهما للمضطر ، وكتزوج الأمة للحر بتلك الشروط السابقة . وذلك لرحمته التامة وإحسانه الشامل ، وعلمه وحكمته بضعف الإنسان من جميع الوجوه ، ضعف البنية ، وضعف الإرادة ، وضعف العزيمة ، وضعف الإيمان ، وضعف الصبر ، فناسب ذلك أن يخفف الله عنه ، ما يضعف عنه وما لا يطيقه إيمانه وصبره وقوته .
{ يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً } . .
يعني جلّ ثناأه بقوله : { يُرِيدُ الله أن يخَفّفَ عَنْكُمْ } : يريد الله أن ييسر عليكم بإذنه لكم في نكاح الفتيات المؤمنات إذا لم تستطيعوا طولاً لحرّة . { وَخُلِقَ الإنْسانُ ضَعيفا } يقول : يسر ذلك عليكم إذا كنتم غير مستطيعي الطول للحرائر ، لأنكم خلقتم ضعفاء عجزة عن ترك جماع النساء قليلي الصبر عنه ، فأذن لكم في نكاح فتياتكم المؤمنات ، عند خوفكم العنت على أنفسكم ، ولم تجدوا طولاً لحرة لئلا تزنوا ، لقلة صبركم على ترك جماع النساء .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { يُرِيدُ اللّهُ أنْ يُخَفّفَ عَنْكُمْ } في نكاح الأمة ، وفي كلّ شيء فيه يسر .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : { وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفا } قال : في أمر الجماع .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : { وَخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفا } قال : في أمر النساء .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : { وَخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفا } قال : في أمور النساء ، ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في النساء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { يُرِيدُ اللّهُ أنْ يُخَفّفَ عَنْكُمْ } قال : رخص لكم في نكاح هؤلاء الإماء حين اضطرّوا إليهنّ ، { وَخُلِقَ الإنْسانُ ضَعيفا } قال : لو لم يرخص له فيها لم يكن إلا الأمر الأول إذا لم يجد حرّة .
{ يريد الله أن يخفف عنكم } فلذلك شرع لكم الشرعة الحنيفية السمحة السهلة ، ورخص لكم في المضايق كإحلال نكاح الأمة . { وخلق الإنسان ضعيفا } لا يصبر عن الشهوات ولا يتحمل مشاق الطاعات . وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : ثمان آيات في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت هذه الثلاث : { إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه } ، { إن الله لا يغفر أن يشرك به } ، { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } ، { ومن يعمل سوءا يجز به } ، { وما يفعل الله بعذابكم } .
أعقب الاعتذار الذي تقدّم بقوله : { يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم } [ النساء : 26 ] بالتذكير بأنّ الله لا يزال مراعياً رفقه بهذه الأمّة وإرادته بها اليسر دون العسر ، إشارة إلى أنّ هذا الدين بيّن حفظ المصالح ودرء المفاسد ، في أيسر كيفية وأرفقها ، فربما ألغت الشريعة بعض المفاسد إذا كان في الحمل على تركها مشقّة أو تعطيل مصلحة ، كما ألغت مفاسد نكاح الإماء نظراً للمشقّة على غير ذي الطول . والآيات الدالّة على هذا المعنى بلغت مبلغ القطع كقوله : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } [ الحج : 78 ] وقوله : { يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [ البقرة : 185 ] وقوله : { ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } [ الأعراف : 157 ] ، وفي الحديث الصحيح : " إنّ هذا الدين يسر ولن يشادّ هذا الدين أحد إلاّ غلبه " وكذلك كان يأمر أصحابه الذين يرسلهم إلى بثّ الدين ؛ فقال لمعاذ وأبي موسى : « يسِّرّا ولا تُعَسِّرا » وقال : ( إنما بعثتم مبشرين لا منفرين ) . وقال لمعاذ لمّا شكا بعض المصلّين خلفه من تطويله « أفَتَّان أنْتَ » . فكان التيسير من أصول الشريعة الإسلامية ، وعنه تفّرعت الرخص بنوعيها .
وقوله : { وخلق الإنسان ضعيفاً } تذييل وتوجيه للتخفيف ، وإظهار لمزية هذا الدين وأنّه أليق الأديان بالناس في كلّ زمان ومَكان ، ولذلك فما مضى من الأديان كان مراعى فيه حال دون حال ، ومن هذا المعنى قوله تعالى : { الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً } الآية في سورة الأنفال ( 66 ) . وقد فسّر بعضهم الضعف هنا بأنّه الضعف من جهة النساء . قال طاووس ليس يكون الإنسان في شيء أضعف منه في أمر النساء وليس مراده حصر معنى الآية فيه ، ولكنّه ممّا رُوعي في الآية لا محالة ، لأنّ من الأحكام المتقدّمة ما هو ترخيص في النكاح .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.