الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا} (28)

قوله تعالى : { يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ } : في هذه الجملة احتمالان أحدهما : وهو الأصحُّ أنها مستأنفة لا محل لها من الإِعراب . والثاني : أنها حالٌ من قوله : { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ } العامل فيها " يريد " أي : واللهُ يريدُ أن يتوبَ عليكم يريد أن يخفف عنكم . وفي هذا الإِعرابِ نظرٌ من وجهين ، أحدُهما : أنه يؤدِّي إلى الفصل بين الحال وبين عاملها بجملةٍ معطوفة على جملةِ العامل في الحال ضِمْنَ تلك الجملة المعطوف عليها ، والجملةُ المعطوفة وهي " ويريد الذين يتبعون " جملةٌ أجنبية من الحال وعامِلها . والثاني : أن الفعل الذي وقع حالاً رفع الاسم الظاهرَ فوقعَ الربطُ بالظاهر ، لأنَّ " يريد " رفَعَ اسم الله/ وكان من حقه أن يرفع ضميرَه ، والربطُ بالظاهر إنما وقع في الجملة الواقعة خبراً أو صلة ، أما الواقعةُ حالاً وصفةً فلا ، إلا أَنْ يَرِدَ به سماع ، ويصير هذا الإِعراب نظيرَ : " بكر يخرج يضربُ بكر خالداً " . ولم يذكر مفعولَ التخفيف فهو محذوفٌ فقيل : تقديرُه : يخفف عنكم تكليفَ النظرِ وإزالةَ الحيرة . وقيل : إثمَ ما ترتكبون .

قوله : " ضعيفاً " في نصبه أربعة أوجه ، الأظهر : أنه حال من " الإِنسان " وهي حال مؤكدة . الثاني : أنه تمييز قالوا : لأنه يَصْلُح لدخول " مِنْ " وهذا غلط . الثالث : أنه على حذف حرف الجر ، والأصل : خُلِق من شيء ضعيف أي : من ماء مهين أو من نطفة ، فلما حُذف الموصوف وحرف الجر وَصَل الفعل إليه بنفسه فنصبه . والرابع : وإليه أشار ابن عطية أنه منصوبٌ على أنه مفعول ثان ب " خلق " ، قالوا : ويَصِحُّ أن يكون " خُلِق " بمعنى " جُعِل " فيكسبها ذلك قوة التعدي إلى مفعولين ، فيكون قوله " ضعيفاً " مفعولاً ثانياً ، وهذا الذي ذكره غريبٌ لم نرهم نصُّوا على أن " خلق " يكون ك " جعل " فيتعدى لاثنين مع حَصْرهم للأفعال المتعدية لاثنين ، بل رأيناهم يقولون : إن " جعل " إذا كانت بمعنى " خلق " تَعَدَّتْ لواحد .