اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا} (28)

في هذه الجملة احتمالان :

أصحُّهما : أنَّهَا مستأنفةٌ لا محلَّ لها من الإعراب .

والثَّاني : أنَّهَا حال من قوله { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } العامل فيها يريد أي : واللَّهُ يريد أن يتوبَ عليكم يريد أن يخفف عنكم ، وفي هذا الإعراب نَظَرٌ من وجهين :

أحدهما : أنَّهُ يؤدِّي إلى الفصل بين الحال ، وبين عاملها بجملة معطوفة على جملة العامل في الحال ضمير تلك الجملة المعطوف عليها ، والجملةُ المعطوفة وهي

{ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ } جملة أجنبيّة{[7557]} من الحال وعاملها .

والثَّاني : أنَّ الفعل الذي وقع حالاً رفع الاسم الظَّاهر فوقع الرَّبط بالظاهرِ ؛ لأن { يُرِيدُ } رفع اسم الله ، وكان من حقِّه أن يرفع ضميره ، والرَّبْطُ بالظَّاهِرِ إنَّمَا وقع بالجملة الواقعة خبراً أو وصلة ، أمَّا الواقعة حالاً وصفة فلا ، إلا أن يَردَ به سماع ، ويصير هذا الإعراب نظير : " بكر يخرج يضربُ بكر خالداً " ولم يذكر مفعول التخفيف فهو{[7558]} محذوف ، فقيل تقديره : يخفف عنكم تكليف النظر ، وإزال الحيرة ، وقيل : إثم ما يرتكبون ، وقيل : عام في جميع أحكام الشرع وقد سهل علينا كما قال تعالى

{ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [ { وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ }{[7559]} ] [ الأعراف :157 ] وقال عليه السلام : " بعثت بالحنيفية السمحة " . وقال { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }

[ البقرة : 185 ] وقال { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] وقال مجاهد ومقاتل : المراد به [ إباحة ]{[7560]} نكاح الأمة عند الضرورة{[7561]} .

قوله تعالى : { وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً } والمعنى أنه لضعفه خفف تكليف ، والأقرب أن يحمل هذا الضعف على كثرة الدواعي إلى اتباع الشهوة واللذة لا على ضعيف الخلقة [ لأن ضعيف الخلقة ]{[7562]} لو قوى الله داعيته إلى الطاعة كان في حكم القوي والقوي في الخلقة إذا كان ضعيف الدواعي إلى الطاعة صار في حكم الضعيف ، فالتأثير في هذا الباب لضعف الداعية وقوتها لا لضعف البدن .

قال طاوس والكلبي وغيرهما : في أمر النساء لا يصبر عنهن{[7563]} .

وقال ابن كيسان : خلق الله الإنسان ضعيفاً أي بأن تستميله شهوته .

وقال الحسن : المراد ضعيف الخلقة وهو أنه [ خلقه ]{[7564]} من ماء مهين{[7565]} . وقال تعالى

{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ } [ الروم : 54 ] .

فصل

وفي نصب ضعيفاً أربعة أوجه :

أظهرها : أنه حال من الإنسان وهي حال مؤكدة .

والثاني : - كأنه تمييز قالوا : لأنه يصلح لدخول " مِنْ " وهذا غلط .

الثالث :- أنه على حذف حرف الجرِ ، والأصل : خلق من شيء ضعيف ، أي : من ماء مهين ، أو من نطفة ، فلما حُذِفَ الموصوف وحرف الجر وَصَلَ الفعل إليه بنفسه فنصبه .

الرابع :- وإليه أشار ابن عطية{[7566]} ، أنه منصوب على أنه مفعول ثانٍ ب " خلق " قالوا : ويصح أن يكون خلق بمعنى " جُعِلَ " فيكسبها ذلك قوة التعدي إلى المفعولين فيكون قوله " ضعيفاً " مفعولاً ثانياً ، وهذا الذي ذكره غريب لم نرهم نَصُّوا على أن خلق يكون ك " جعل " فيتعدى لاثنين مع حصرهم الأفعال المتعدية للاثنين ، ورأيناها يقولون : إن " جَعَلَ " إذا كان بمعنى " خَلَقَ " تعدت لواحد{[7567]} .

فصل

روي عن ابن عباس أنه قال : ثماني آيات في سورة النساء خير لهذه{[7568]} الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت قوله تعالى { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ } [ النساء : 26 ]

{ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } { يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } و{ إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } [ النساء : 31 ] { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ }{[7569]} [ النساء : 48 ] { إِنَّ [ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ ]{[7570]} مِثْقَالَ ذَرَّةٍ } [ النساء : 40 ] ، { وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } [ النساء : 110 ] و { مَّا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ } [ النساء : 147 ] .


[7557]:في ب: اسمية.
[7558]:في ب: وهو.
[7559]:سقط في ب.
[7560]:سقط في ب.
[7561]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/215) عن مجاهد وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/257) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[7562]:سقط في أ.
[7563]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/257) وعزاه للخرائطي في "اعتلال القلوب" عن طاوس. أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/215 ـ 216) عن طاوس بلفظ مختلف وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/257) وزاد نسبته لعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[7564]:سقط في ب.
[7565]:ذكره أبو حيان في "البحر المحيط" (3/237) عن الحسن.
[7566]:ينظر: المحرر الوجيز 2/41.
[7567]:في أ: تعدي لواحد.
[7568]:في أ: بهذه.
[7569]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/211) عن ابن عباس وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/256) وزاد نسبته لابن أبي الدنيا في "التوبة" والبيهقي في "شعب الإيمان".
[7570]:سقط في أ.