إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا} (28)

{ يُرِيدُ الله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ } بما مر من الرُخَص فيما في عهدتكم من مشاقّ التكاليفِ ، والجملةُ مستأنفةٌ لا محل لها من الإعراب { وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً } عاجزاً عن مخالفة هواه غيرَ قادرٍ على مقابلة دواعيه وقواه حيث لا يصبِرُ عن اتباع الشهواتِ ولا يستخدم قواه في مشاقِّ الطاعاتِ . وعن الحسن أن المرادَ ضَعفُ الخِلْقةِ ، ولا يساعده المقام ، فإن الجملةَ اعتراضٌ تذييليٌّ مَسوقٌ لتقرير ما قبله من التخفيف بالرُخصة في نكاح الإماءِ ، وليس لضعف البُنيةِ مدخلٌ في ذلك ، وإنما الذي يتعلق به التخفيفُ في العبادات الشاقةِ . وقيل : المراد به ضعفُه في أمر النساءِ خاصة حيث لا يصبِرُ عنهن ، وعن سعيد بن المسيِّب : ما أيِسَ الشيطانُ من بني آدمَ قطُّ إلا أتاهم من قبل النساءِ فقد أتى عليَّ ثمانون سنةً وذهبت إحدى عينيَّ وأنا أعشو بالأخرى وإن أخوفَ ما أخاف على نفسي فتنةُ النساءِ . وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما وخَلَق الإنسانَ على البناء للفاعل والضميرُ لله عز وجل ، وعنه رضي الله عنه : ثماني آياتٍ في سورة النساء هنّ خيرٌ لهذه الأمةِ مما طلعت عليه الشمسُ وغربت { يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ } [ النساء ، الآية 26 ] { والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } [ النساء ، الآية 27 ] { يُرِيدُ الله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ } [ النساء ، الآية 28 ] { إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ } [ النساء ، الآية 31 ] { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء ، 48 ] { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يضاعفها } [ النساء ، الآية 40 ] { وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ } [ النساء ، الآية 110 ] { ما يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ } [ النساء ، الآية 147 ] .