المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (63)

63- وجمع بينهم على المحبة بعد التفرق والتعادي ، فأصبحوا ملتقين حولك ، باذلين أرواحهم وأموالهم في سبيل دعوتك ، وإنك لو أنفقت جميع ما في الأرض من الأموال والمنافع - في سبيل هذا التأليف - لما أمكنك أن تصل إليه ، لأن القلوب بيد اللَّه ، ولكن اللَّه ألفَّ بينهم ، بهدايتهم إلى الإيمان والمحبة والإخاء ، وإنه تعالى قوى غالب ، يدبر أمر العباد على مقتضى ما ينفعهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (63)

{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ْ } فاجتمعوا وائتلفوا ، وازدادت قوتهم بسبب اجتماعهم ، ولم يكن هذا بسعي أحد ، ولا بقوة غير قوة اللّه ، فلو أنفقت ما في الأرض جميعا من ذهب وفضة وغيرهما لتأليفهم بعد تلك النفرة والفرقة الشديدة { مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ْ } لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا اللّه تعالى .

{ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ْ } ومن عزته أن ألف بين قلوبهم ، وجمعها بعد الفرقة كما قال تعالى : { وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ْ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (63)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعاً مّآ أَلّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلََكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .

يريد جلّ ثناؤه بقوله : وألّفَ بينَ قُلُوِبهِمْ وجمع بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج بعد التفرّق والتشتت على دينه الحقّ ، فصيرهم به جميعا بعد أن كانوا أشتاتا ، وإخوانا بعد أن كانوا أعداء .

وقوله : لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لو أنفقت يا محمد ما في الأرض جميعا من ذهب وورق وعرض ، ما جمعت أنت بين قلوبهم بحيلك ، ولكن الله جمعها على الهدى ، فائتلفت واجتمعت تقوية من الله لك وتأييدا منه ومعونة على عدوّك . يقول جلّ ثناؤه : والذي فعل ذلك وسببه لك حتى صاروا لك أعوانا وأنصارا ويدا واحدة على من بغاك سوءا هو الذي إن رام عدوّ منك مراما يكفيك كيده وينصرك عليه ، فثق به وامض لأمره وتوكل عليه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : وألّفَ بينَ قُلُوِبهِمْ قال : هؤلاء الأنصار ألف بين قلوبهم من بعد حرب فيما كان بينهم .

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن بشير بن ثابت رجل من الأنصار ، أنه قال في هذه الاَية : لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ يعني الأنصار .

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : وألّفَ بينَ قُلُوِبهِمْ على الهدى الذي بعثك به إليهم . لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ ألّفَ بَيْنَهُمْ بدينه الذي جمعهم عليه ، يعني الأوس والخزرج .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن يمان ، عن إبراهيم الجزري ، عن الوليد بن أبي مغيث ، عن مجاهد قال : إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما . قال : قلت لمجاهد : بمصافحة يغفر لهما ؟ فقال مجاهد : أما سمعته يقول : لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ ؟ فقال الوليد لمجاهد : أنت أعلم مني .

حدثنا عبد الكريم بن أبي عُمير ، قال : ثني الوليد ، عن أبي عمرو ، قال : ثني عبدة بن أبي لبابة ، عن مجاهد ، ولقيته وأخذ بيدي ، فقال : إذا تراءى المتحابان في الله فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه ، تحاتت خطاياهما كما يتحاتّ ورق الشجر . قال عبدة : فقلت له : إن هذا ليسير قال : لا تقل ذلك ، فإن الله يقول : لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ . قال عبدة : فعرفت أنه أفقه مني .

حدثني محمد بن خلف ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : حدثنا فضيل بن غزوان ، قال : أتيت أبا إسحاق ، فسلمت عليه فقلت : أتعرفني ؟ فقال فضيل : نعم لولا الحياء منك لقبلتك .

حدثني أبو الأحوص ، عن عبد الله ، قال : نزلت هذه الاَية في المتحابين في الله : لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : أخبرنا ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس أو قال عن الناس الألفة .

حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : حدثنا أيوب بن سويد ، عن الأوزاعي ، قال : ثني عبدة بن أبي لبابة ، عن مجاهد ، ثم ذكر نحو حديث عبد الكريم ، عن الوليد .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أسامة وابن نمير وحفص بن غياث ، عن فضيل بن غزوان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : سمعت عبد الله يقول : لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ . . . الاَية ، قال : هم المتحابون في الله .

وقوله : إنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ يقول : إن الله الذي ألف بين قلوب الأوس والخزرج بعد تشتت كلمتهما وتعاديهما وجعلهم لك أنصارا عزيز لا يقهره شيء ولا يردّ قضاءه رادّ ، ولكنه ينفذ في خلقه حكمه . يقول : فعليه فتوكل ، وبه فثق ، حَكِيمٌ في تدبير خلقه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (63)

{ وألّف بين قلوبهم } مع ما فيهم من العصبية والضغينة في أدنى شيء ، والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتى صاروا كنفس واحدة ، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم ، وبيانه : { لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم } أي تناهي عداوتهم إلى حد لو أنفق منفق في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم يقدر على الألفة والإصلاح .

{ ولكن الله ألّف بينهم } بقدرته البالغة ، فإنه المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء . { إنه عزيز } تام القدرة والغلبة لا يعصى عليه ما يريده . { حكيم } يعلم أنه كيف ينبغي أن يفعل ما يريده ، وقيل الآية في الأوس والخزرج كان بينهم محن لا أمد لها ووقائع هلكت فيها ساداتهم ، فأنساهم الله ذلك وألف بينهم بالإسلام حتى تصافوا وصاروا أنصارا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (63)

الضمير في قوله { وإن يريدوا } عائد على الكفار الذين قيل فيهم ، { وإن جنحوا } [ الأنفال : 61 ] وقوله : { وإن يريدوا أن يخدعوك } يريد بأن يظهروا له السلم ويبطنوا الغدر والخيانة ، أي فاجنح وما عليك من نياتهم الفاسدة ، { فإن حسبك الله } أي كافيك ومعطيك نصرة وإظهاراً ، وهذا وعد محض ، و { أيدك } معناه قواك ، { وبالمؤمنين } يريد بالأنصار بقرينة قوله { وألف بين قلوبهم } الآية ، وهذه إشارة إلى العداوة التي كانت بين الأوس والخزرج في حروب بعاث فألف الله تعالى قلوبهم على الإسلام وردهم متحابين في الله ، وعددت هذه النعمة تأنيساً لمحمد صلى الله عليه وسلم ، أي كما لطف بك ربك أولاً فكذلك يفعل آخراً ، وقال ابن مسعود : نزلت هذه الآية في المتحابين في الله إذا تراءى المتحابان فتصافحا وتضاحكا تحاتت خطاياهما ، فقال له َعْبَدة بن أبي لبابة إن هذا ليسير ، فقال له لا تقل ذلك فإن الله يقول { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم } قال عبدة : فعرفت أنه أفقه مني .

قال القاضي أبو محمد : وهذا كله تمثل حسن بالآية لا أن الآية نزلت في ذلك بل تظاهرت أقوال المفسرين أنها في الأوس والخزرج كما ذكرنا ، ولو ذهب إلى عموم المؤمنين في المهاجرين والأنصار وجعل التأليف ما كان من جميعهم من التحاب حتى تكون ألفة الأوس والخزرج جزءاً من ذلك لساغ ذلك ، وكل تآلف في الله فتابع لذلك التآلف الكائن في صدر الإسلام ، وقد روى سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : «المؤمن مألفة ، لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف »{[5458]} .

قال القاضي أبو محمد : والتشابه هو سبب الألفة فمن كان من أهل الخير ألف أشباهه وألفوه .


[5458]:- لفظه في "الجامع الصغير" للإمام السيوطي: (المؤمن يألف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف)، ثم قال: رواه الإمام أحمد في مسنده عن سهل بن سعد، وذكر السيوطي أنه حديث صحيح. ولكن الرواية في مسند الإمام أحمد: (المؤمن مألف..) كما ذكر ابن عطية. (راجع المسند 5-335). وبلفظ (مألف) ذكره في "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي".