إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (63)

{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } مع ما كان بينهم قبل ذلك من العصبية والضغينة والتهالُك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتى صاروا بتوفيقه تعالى كنفس واحدة ، وهذا من أبهر معجزاتِه عليه الصلاة والسلام { لَوْ أَنفَقْتَ مَا في الأرض جَمِيعاً } أي لتأليف ما بينهم { ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } استئنافٌ مقررٌ لما قبله ومبين لعزة المطلبِ وصعوبةِ المأخذ أي تناهي التعادي فيما بينهم إلى حد لو أنفقٌ منفقٌ في إصلاح ذاتِ البين جميعَ ما في الأرض من الأموال والذخائر لم يقدِرْ على التأليف والإصلاحِ ، وذكرُ القلوب للإشعار بأن التأليفَ بينها لا يتسنى وإن أمكن التأليفُ ظاهراً { ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } قلباً وقالَباً بقدرته الباهرة { إِنَّهُ عَزِيزٌ } كاملُ القدرةِ والغلبة لا يستعصي عليه شيءٌ مما يريده { حَكِيمٌ } يعلم كيفيةَ تسخيرِ ما يريده وقيل : الآيةُ في الأوس والخزرج كان بينهم إِحَنٌ لا أمدَ لها ووقائعُ أفنت ساداتِهم وأعاظِمَهم ودقت أعناقَهم وجماجمَهم فأنسى الله عز وجل جميع ذلك وألف بينهم بالإسلام حتى تصافَوا وأصبحوا يرمون عن قوس واحدة وصاروا أنصاراً .