السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (63)

بيّن تعالى كيف أيده بالمؤمنين بقوله تعالى :

{ وألف } أي : جمع { بين قلوبهم } وذلك إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم بعث إلى قوم أنفتهم شديدة ، وحميتهم عظيمة حتى لو أنّ رجلاً من قبيلة لطم لطمةً واحدة ، قاتلت عنه قبيلته حتى يدركوا ثأره ، ثم إنهم انقلبوا عن تلك الحالة حتى قاتل الرجل أباه وأخاه وابنه ، واتفقوا على الطاعة وصاروا أنصاراً دعاة ، فإزالة تلك العداوة الشديدة وتبديلها بالمحبة القوية ، مما لا يقدر عليها إلا الله تعالى ، وصارت تلك معجزة ظاهرة على صدق نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا قال تعالى : { لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم } أي : تناهت عداوتهم إلى حد لو أنفقت في إصلاح ذات بينهم ما في الأرض من الأموال لم تقدر على الألفة والصلاح بينهم { ولكن الله ألف بينهم } بقدرته البالغة ، فإنه تعالى المالك للقلوب يقلبها كيف يشاء { إنه } أي : الله تعالى { عزيز } أي : غالب على أمره لا يعصى عليه ما يريد { حكيم } لا يخرج شيء عن حكمته ، وقيل : الآية نزلت في الأوس والخزرج كان بينهم من الحروب والوقائع ما أهلك سادتهم ورؤساءهم فأنساهم الله تعالى ذلك ، وألف بين قلوبهم بالإسلام حتى تصادقوا وصاروا أنصاراً ، وما ذاك إلا بلطيف صنعه وبليغ قدرته .