الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (63)

وقوله : { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ }[ الأنفال : 63 ] .

إشارةٌ إِلى العداوة التي كانَتْ بين الأوْسِ والخَزْرَجِ .

قال ( ع ) : ولو ذَهَبَ ذاهبٌ إِلى عمومِ المؤمنين في المهاجرين والأنصارِ ، وجعل التأليف ما كَانَ بيْنَ جميعهم من التحابِّ ، لساغ ذلك ، وقال ابنُ مَسْعُود : نزلَتْ هذه الآية في المتحابِّين في اللَّه ،

وقال مجاهد : إِذا تَرَاءَى المتحابَّانِ في اللَّه ، وتصَافَحَا ، تَحَاتَّتْ خطاياهما ، فقال له عَبْدَةُ بنُ أبي لُبَابَةَ : إِن هذا لَيَسِيرٌ ، فقال له : لا تَقُلْ ذلك ، فإِن اللَّه تعالَى يَقُولُ : { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } ، قال عَبْدَةُ : فعرفْتُ أنه أفْقَهُ مني .

قال ( ع ) : وهذا كلُّه تمثيلٌ حَسَنٌ بالآية ، لا أنَّ الآية نزلَتْ في ذلك ، وقد رَوَى سهْلُ بن سعد ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ : ( المؤمن مَألَفَةٌ لاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤلَفُ ) .

قال * ع * : والتشابه سَبَبُ الأُلْفَة ، فمَنْ كان من أهْل الخَيْر ، أَلِفَ أشباهَهُ وأَلِفُوهُ .

قال ( ت ) : وفي «صحيح البخاريِّ » : ( الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ ، فما تَعَارَفَ مِنْهَا ائتلف ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اختلف ) انتهى .

وروى مالكٌ في «الموطإ » ، عن أبي هريرة قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ القِيَامَةِ : أَيْنَ المُتَحَابُّونَ لَجَلاَلي ؟ اليَوْمَ أُظِلُّهُمْ في ظِلِّي يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلِّي ) . قال أبو عمر بن عبد البَرِّ في «التمهيد » : ورُوينا عن ابنِ مسعود ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَنه قال : ( يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ، أَتَدْرِي ، أَيُّ عُرَى الإِيمَانِ أَوْثَقُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : الوِلاَيَةُ في اللَّهِ الحُبُّ والبُغْضُ فِيهِ ) ، ورواه البراءُ بنُ عَازِبٍ ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أيضاً ، وعن عبد اللَّهِ في قوله تعالى : { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } ، قال : نزلَتْ في المتحابِّين في اللَّه قال أبو عمر : وأما قوله : الَيْومَ أُظلُّهُمْ فِي ظِلِّي ، فإِنه أراد - واللَّه أعلم في ظلِّ عرشه ، وقد يكونُ الظِّلُّ كنايةً عن الرحْمةِ ؛ كما قال : { إِنَّ المتقين فِي ظلال وَعُيُونٍ } [ المرسلات : 41 ] ، يعني : بذلك مَا هُمْ فيه مِنَ الرحمة والنعيم . انتهى .