فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (63)

ثم بين كيف كان تأييده بالمؤمنين فقال : { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } . وظاهره العموم وأن ائتلاف قلوب المؤمنين هو من أسباب النصر التي أيد الله بها رسوله . وقال جمهور المفسرين : المراد الأوس والخزرج ، فقد كان بينهم عصبية شديدة وحروب عظيمة ، فألف الله بين قلوبهم بالإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار ، والحمل على العموم أولى ، فقد كانت العرب قبل البعثة المحمدية يأكل بعضهم بعضاً ولا يحترم ماله ولا دمه ، حتى جاء الإسلام فصاروا يداً واحدة ، وذهب ما كان بينهم من العصبية ، وجملة { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } مقرّرة لمضمون ما قبلها .

والمعنى أن ما كان بينهم من العصبية والعداوة قد بلغ إلى حدّ لا يمكن دفعه بحال من الأحوال ، ولو أنفق الطالب له جميع ما في الأرض لم يتم له ما طلبه من التأليف ، لأن أمرهم في ذلك قد تفاقم جدّاً { ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } بعظيم قدرته وبديع صنعه { إِنَّهُ عَزِيزٌ } لا يغالبه مغالب ، ولا يستعصي عليه أمر من الأمور { حَكِيمٌ } في تدبيره ونفوذ نهيه وأمره .

/خ63