روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (63)

{ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } مع ما جبلوا عليه كسائر العرب من الحمية والعصبية والانطواء على الضغينة والتهالك على الانتقام بحيث لا يكاد يأتلف فيهم قلبان حتى صاروا بتوفيقه تعالى كنفس واحدة .

وقيل : إن الأنصار وهم الأوس والخزرج كان بينهم من الحروب ما أهلك ساداتهم ودق جماجمهم ولم يكن لبغضائهم أمد وبينهم التجاور الذي يهيج الضغائن ويديم التحاسد والتنافس فأنساهم الله تعالى ما كان بينهم فاتفقوا على الطاعة وتصافوا وصاروا أنصاراً وعادوا أعواناً وما ذاك إلا بلطيف صنعه تعالى وبليغ قدرته جل وعلا . واعترض هذا القول بأنه ليس في السياق قرينة عليه . وأجيب بأن كون المؤمنين مؤيداً بهم يشعر بكونهم أنصاراً ولا يخفى ضعفه ولا تجد له أنصاراً ، وبالجملة ما وقع من التأليف من أبهر معجزاته عليه الصلاة والسلام { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الارض جَمِيعاً } أي لتأليف ما بينهم { مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } لتناهي عداوتهم وقوة أسبابها ، والجملة استئناف مقرر لما قبله ومبين لعزة المطلب وصعوبة المأخذ ، والخطاب لكل واقف عليه لأنه لا مبالغة في انتفاء ذلك من منفق معين ، وذكر القلوب للإشعار بأن التأليف بينها لا يتسنى وإن أمكن التأليف ظاهراً { ولكن الله } جلت قدرته { أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } قلباً وقالباً بقدرته البالغة { إِنَّهُ عَزِيزٌ } كامل القدرة والغلبة لا يستعصى عليه سبحانه شيء يما يريد { حَكِيمٌ } يعلم ما يليق تعلق الإرادة به فيوجده بمقتضى حكمته عز وجل ، ومن آثار عزته سبحانه تصرفه بالقلوب الأبية المملوءة من الحمية الجاهلية ، ومن آثار حكمته تدبير أمورهم على وجه أحدث فيهم التواد والتحاب فاجتمعت كلمتهم ، وصاروا جميعاً كنانة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذابين عنه بقوس واحدة ، والجملة على ما قال الطيبي كالتعليل للتأليف هذا .

( ومن باب الإشارة ) :{ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِى الأرض جَمِيعاً مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } لصعوبة الأمر وكثافة الحجاب { ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ الأنفال : 63 ] والتأليف من آثار ذلك والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل .