ثم بيَّن كيف أيد بالمؤمنين ، فقال { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } أي : بين الأوس والخزرج ، كانت بينهم إحن وخصومات ، ومحاربة في الجاهليَّة ، فصيَّرهم الله إخواناً بعد أن كانوا أعداءً ، وتبدلت العداوة بالمحبة القوية ، والمخالصة التَّامة ، ممَّا لا يقدر عليه إلاَّ الله تعالى .
{ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأرض جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن الله أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } أي : قادر قاهر ، يمكنه التصرف في القلوب ، ويقلبها من العداوة إلى الصداقة ومن النفرة إلى الرغبة ، حكيم يقول ما يقوله على وجه الإحكام والإتقان ، أو مطابقاً للمصلحة والصَّواب على اختلاف القولين في الجبر والقدر .
احتجوا بهذه الآية على أن أحوال القلوب من العقائد ، والإرادات كلها من خلق الله تعالى ؛ لأن تلك الألفة ، والمودة ، إنَّما حصلت بسبب الإيمان ومتابعة الرسول - عليه الصلاة والسلام - فلو كان الإيمانُ فعلاً للعبد لا فعلاً لله تعالى ، لكانت المحبَّة المترتبة عليه فعلاً للعبد لا فعلاً لله تعالى ، وذلك خلاف صريح الآية .
فقال القاضي : " لَوْلاَ ألطافُ الله تعالى ساعةً فساعةً ، لما حصلت هذه الأحوال ، فأضيفت تلك المخالصة إلى الله تعالى بهذا التَّأويل ، كما يضافُ علم الولد وأدبه إلى أبيه ، لأجل أنَّه لم يحصل ذلك إلاَّ بمعونة الأبِ وتربيته ، فكذا ههنا " .
وأجيب : بأن كل ما ذكرتموه عدول عن الظاهر ، وحمل الكلام على المجاز ، وأيضاً فكل هذه الألطاف كانت حاصلة في حق الكُفار ، مثل حصولها في حقِّ المؤمنين ، فلو لم يحصل هناك شيء سوى الألطاف ؛ لم يكن لتخصيص المؤمنين بهذه المعاني فائدة ، وأيضاً فالبرهانُ العقلي مقوٍّ لهذا الظَّاهر ؛ أن القلب يصح أن يصير موصوفاً بالرَّغْبَةِ بدلاً عن النُّفرة والعكس .
فرجحان أحدِ الطَّرفين على الآخر لا بدَّ له من مرجِّح ، فإن كان المرجح هو العبدُ عاد التقسيم وإن كان هو الله تعالى ، فهو المقصود .
فعلم أنَّ صريح هذه الآية متأكد بصريح البرهان العقلي ، فلا حاجة إلى ما ذكره القاضي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.