{ 7 - 14 ْ } { وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا * تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا * بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ْ }
هذا من مقالة المكذبين للرسول الذين قدحوا بها في رسالته ، وهو أنهم اعترضوا بأنه هلا كان ملكا أو مليكا ، أو يساعده ملك فقالوا : { مَالِ هَذَا الرَّسُولِ } أي : ما لهذا الذي ادعى الرسالة ؟ تهكما منهم واستهزاء .
{ يَأْكُلُ الطَّعَامَ } وهذا من خصائص البشر فهلا كان ملكا لا يأكل الطعام ، ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر ، { وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ } للبيع والشراء وهذا -بزعمهم- لا يليق بمن يكون رسولا ، مع أن الله قال : { وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ }
{ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } أي : هلا أنزل معه ملك يساعده ويعاونه ، { فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا } وبزعمهم أنه غير كاف للرسالة ولا بطوقه وقدرته القيام بها .
ثم حكى - سبحانه - بعد ذلك شبهة ثالثة ، تتعلق بشخصية النبى صلى الله عليه وسلم حيث أنكروا أن يكون الرسول من البشر وأن يكون آكلا للطعام وماشيا فى الأسواق ، فقال - تعالى - : { وَقَالُواْ مَالِ هذا . . . . } .
ذكر بعض المفسرين فى سبب نزول هذه الآيات أن جماعة من قريش قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم إن كنت تريد بما جئت به مالا جمعنا لك المال حتى تكون أغنانا ، وإن كنت تريد ملكا ، جعلناك ملكا علينا . . .
فقال صلى الله عليه وسلم : " ما أريد شيئا مما تقولون ، ولكن الله تعالى بعثنى إليكم رسولا ، وأنزل على كتابا ، وأمرنى أن أكون لكم بشيراً ونذيراً ، فبلغتكم رسالة ربى ، ونصحت لكم . فإن تقبلوا منى ما جئتكم به فهو حظكم فى الدنيا والآخرة ، وإن تردوه علىّ أصبر لأمر الله - تعالى - حتى يحكم بينى وبينكم " .
فقالوا : فإن كنت غير قابل شيئا مما عرضنا عليك ، فسل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك ، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا . . .
فقال لهم صلى الله عليه وسلم : " ما أنا بفاعل ، وما أنا بالذى يسأل ربه هذا ، وما بعثت إليكم بهذا ، ولكن الله - تعالى - بعثنى بشيرا ونذيرا " فأنزل الله تعالى فى قولهم ذلك . . .
والضمير فى قوله - تعالى : { وَقَالُواْ } يعود إلى مشركى قريش و " ما " استفهامية بمعنى إنكار الوقوع ونفيه ، وهى مبتدأ ، والجار والمجرور وبعدها الخبر . وجملة " يأكل الطعام " حال من الرسول .
أى : أن مشركى قريش لم يكتفوا بقولهم إن محمد صلى الله عليه وسلم قد افترى القرآن ، وإن القرآن أساطير الأولين . بل أضافوا إلى ذلك أنهم قالوا على سبيل السخرية والتهكم والإنكار لرسالته : كيف يكون محمدا صلى الله عليه وسلم رسولا ، وشأنه الذى نشاهده بأعيننا . أنه " يأكل الطعام " كما يأكل سائر الناس " ويمشى فى الأسواق " أى : ويتردد فيها كما نتردد طلبا للرزق . " لولا أنزل إليه ملك " أى : هلا أنزل إليه ملك يعضده ويساعده ويشهد له بالرسالة " فيكون " هذا الملك " معه نذيرا " أى : منذرا من يخالفه بسوء المصير .
الضمير في قوله { قالوا } لقريش ، وذلك أنهم كان لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس مشهور ، ذكره ابن إسحاق في السير وغيره ، مضمنة أن سادتهم عتبة بن ربيعة وغيره اجتمعوا معه فقالوا يا محمد إن كنت تحب الرياسة وليناك علينا ، وإن كنت تحب المال جمعنا لك من أموالنا{[8781]} ، فلما أبى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجعوا في باب الاحتجاج عليه فقالوا له ما بالك وأنت رسول الله تأكل الطعام وتقف بالأسواق وتريد التماس الرزق ، أي إن من كان رسول الله مستغن عن جميع ذلك ، ثم قالوا له سل ربك أن ينزل معك ملكاً ينذر معك أو يلقي إليك كنزاً تنفق منه ، أو يرد لك جبال مكة ذهباً أو تزال الجبال ويكون مكانها جنات تطرد فيها المياه ، وأشاعوا هذه المحاجة فنزلت الآية وكتبت اللام مفردة من قولهم { ما ل } هذا إما لأن على المصحف قطع لفظه فاتبعه الكاتب ، وإما لأنهم رأوا أن حروف الجر بابها الانفصال نحو «في ومن وعلى وعن » . وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر «يأكل منها » بالياء ، وقرأ حمزة والكسائي «نأكل منها » بالنون وهي قراءة ابن وثاب وابن مصرف وسليمان بن مهران{[8782]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.