النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا} (7)

قوله تعالى : { وَقَالُوا مَا لِهذَا الرَّسُولِ يأكل الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الأَسْوَاقِ } فيه وجهان :

أحدهما : أنهم قالوا ذلك إزراء عليه أنه لما كان مثلهم محتاجاً إلى الطعام ومتبذّلاً في الأسواق لم يجز أن يتميز عليهم بالرسالة ووجب أن يكون مثلهم في الحكم .

الثاني : أنهم قالوا ذلك استزادة له في الحال كما زاد عليهم في الاختصاص فكان يجب ألاّ يحتاج إلى الطعام كالملائكة ، ولا يتبذل في الأسواق كالملوك .

ومرادهم في كلا الوجهين فاسد من وجهين :

أحدهما : أنه ليس يوجب اختصاصه بالمنزلة نقله عن موضع الخلقة لأمرين :

أحدهما : أن كل جنس قد يتفاضل أهله في المنزلة ولا يقتضي تمييزهم في الخلقة كذلك حال من فضل في الرسالة .

الثاني : أنه لو نقل عن موضوع الخلقة بتمييزه بالرسالة لصار من غير جنسهم ولما كان رسولاً منهم ، وذلك مما تنفر منه النفوس .

وأما الوجه الثاني : فهو أن الرسالة لا تقتضي منعه من المشي في الأسواق لأمرين :

أحدهما : أن هذا من أفعال الجبابرة وقد صان الله رسوله عن التجبر .

الثاني : لحاجته لدعاء أهل الأسواق إلى نبوته ، ومشاهدة ما هم عليه من منكر يمنع منه ومعروف يقر عليه .

{ لَوْلا أُنزِلَ إِلَيهِ } الآية أي هلا أُنزل إليه { مَلَكٌ . . . } وفيه وجهان :

أحدهما : أن يكون الملك دليلاً على صدقه .

الثاني : أن يكون وزيراً له يرجع إلى رأيه .