اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا} (7)

الشبهة الثالثة : قوله تعالى : { وَقَالُواْ مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام } . الآية . «ما » استفهامية مبتدأة ، والجار بعدها خبر ، و «يأكل » جملة حالية{[35382]} ، وبها تتم فائدة الإخبار ، كقوله : { فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ } [ المدثر : 49 ] وقد تقدم في النساء{[35383]} أن لام الجر كتبت مفصولة من مجرورها ، وهو خارج عن قياس الخط{[35384]} . والعامل في الحال الاستقرار العامل في الجر ، أو نفس الجر ذكره أبو البقاء{[35385]} .

قوله : «فَيَكُونَ » . العامة على نصبه ، وفيه وجهان :

أحدهما : نصبه على جواب التحضيض{[35386]} .

والثاني : قال أبو البقاء : «فَيَكُونَ » منصوب على جواب الاستفهام{[35387]} . وفيه نظر ، لأن ما بعد الفاء لا يترتب على هذا الاستفهام ، وشرط النصب أن ينعقد منهما شرط وجزاء . وقرئ «فَيَكُونُ » بالرفع{[35388]} وهو معطوف على «أُنْزِلَ » ، وجاز عطفه على الماضي ؛ لأن المراد بالماضي المستقبل إذ التقدير : لولا ينزل {[35389]} .

قوله : «أَوْ يُلقَى . . . أَوْ تَكُون » معطوفان على «أنزل » لما تقدم من كونه بمعنى ينزل ، ولا يجوز أن يُعطفا على «فَيَكُون » المنصوب في الجواب ؛ لأنهما مندرجان في التحضيض في حكم الواقع بعد «لولا » ، وليس المعنى على أنهما جواب للتحضيض ، فَيُعْطَفا على جوابه{[35390]} . وقرأ الأعمش وقتادة { أَوْ يَكُونُ لَهُ } بالياء من تحت{[35391]} ؛ لأن تأنيث الجنة مجازي{[35392]} .

قوله : «يَأْكُلُ مِنْهَا » الجملة في موضع الرفع صفة ل «جَنّة » . وقرأ الأخوان{[35393]} «نَأْكُلُ » بنون الجمع ، والباقون بالياء من تحت أي : الرسول{[35394]} .

قوله : «وَقَالَ الظَّالِمُون » وضع الظاهر موضع المضمر ؛ إذ الأصل «وَقَالُوا » .

قال الزمخشري : وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم {[35395]} .

قال أبو حيان : وقوله ليس تركيباً سائغاً بل التركيب العربي أن يقول أرادهم{[35396]} بأعيانهم {[35397]} .

فصل

وهذه الشبهة التي ذكروها في نهاية الرذالة ، فقالوا : { مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق } يلتمس المعاش كما نلتمس فمن أين له الفضل علينا ؟ وكيف يمتاز عنّا بالنبوة ، وهو مثلنا في هذه الأمور .

وقالوا : { لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ } هلاّ أنزل إليه ملك { فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } يصدقه ويشهد له ، ويرد على من خالفه .


[35382]:انظر التبيان 2/981.
[35383]:عند قوله تعالى: {فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا} [النساء: 78].
[35384]:لأن قياس الخط اتصال لام الجر بمجرورها، وذكر مكي أن علة الفصل أنه كتب على لفظ المملي، كأنه كان يقطع لفظه "مال...هذا" فكتب الكاتب على لفظه، وذكر أن الفراء قال: أصله: ما بال هذا الرسول، ثم حذف (با) فبقيت اللام منفصلة. وقيل: إن أصل حروف الجر أن تأتي منفصلة مما بعدها نحو (في، عن، على) فأتى ما هو على حرف على قياس ما هو على حرفين. مشكل إعراب القرآن 2/130.
[35385]:قال أبو البقاء: (قوله تعالى: {يأكل الطعام} هو في موضع الحال، والعامل فيها العامل في "لهذا" أو نفس الظرف) التبيان 2/981.
[35386]:انظر الكشاف 3/89، البيان 2/202، التبيان 2/981، البحر المحيط 6/483.
[35387]:التبيان 2/981.
[35388]:حكاه أبو معاذ. المختصر (104)، البحر المحيط 6/483.
[35389]:انظر الكشاف 3/89، البحر المحيط 6/483، وجوز أبو حيان أيضا أن يكون جواب التحضيض على إضمار (هو)، أي فهو يكون.
[35390]:انظر الكشاف 3/89، البيان 2/202، البحر المحيط 6/483.
[35391]:انظر المختصر (104)، البحر المحيط 6/483.
[35392]:في ب: مجاز.
[35393]:حمزة والكسائي.
[35394]:السبعة (462)، الحجة لابن خالويه (264)، الكشف 2/144، النشر 2/333، الإتحاف (327).
[35395]:الكشاف 3/89.
[35396]:في ب: أراهم. وهو تحريف.
[35397]:البحر المحيط 6/483.