السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا} (7)

الشبهة الثالثة : قوله تعالى : { وقالوا ما لهذا الرسول } أي : ما لهذا الذي يزعم الرسالة ، وفيه استهانة وتهكم وتصغير لشأنه ، وتسميته بالرسول سخرية منه كأنهم قالوا : ما لهذا الزاعم أنه رسول ، ونحوه قول فرعون : { إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون } ( الشعراء ، 27 ) ، أي : إن صح أنه رسول الله فما باله حاله مثل حالنا { يأكل الطعام } أي : كما نأكله { ويمشي } أي : ويتردد { في الأسواق } لطلب المعاش كما نمشي ، فلا يجوز أن يمتاز عنا بالنبوة يعنون : أنه يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن الأكل والشرب والتعيش ، وكذلك كانوا يقولون له : لست أنت بملك ؛ لأنك تأكل الطعام ، والملك لا يأكل ، ولأن الملك لا يتسوق وأنت تتسوق ، وما قالوه فاسد ؛ لأن أكله الطعام لكونه آدمياً ومشيه في الأسواق لتواضعه ، وكان ذلك صفته في التوراة ، ولم يكن صخاباً في الأسواق ، وليس شيء من ذلك ينافي النبوة ، ولأنه لم يدع أنه ملك من الملوك ، ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكاً إلى اقتراح أن يكون إنساناً معه ملك حتى يسانده في الإنذار والتخويف ، فقالوا : { لولا } أي : هلا { أنزل إليه ملك } أي : يصدقه ويشهد له { فيكون معه نذيراً } أي : داعياً .