تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا} (7)

الآية 7 : وقوله تعالى : ]وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق[ كان الكفرة يطعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيئين : أحدهما : أنه من البشر بقوله : ]ما هذا إلا بشر مثلكم[ ( المؤمنون : 24 ) وقوله{[14324]} : ]قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا[ ( إبراهيم : 10 ) كانوا لا يرون أن يكون من البشر رسول كقوله : ]وقالوا لولا أنزل عليه ملك[ الآية ( الأنعام : 8 ) وقولهم : ]لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا[ ( الفرقان : 7 ) ونحو ذلك .

والثاني : كانوا يطعنونه{[14325]} بالفقر والحاجة ، وصفارة اليد حين{[14326]} قالوا : ]أو يلقى كنز أو تكون له جنة[ ( الفرقان : 8 ) وحين{[14327]} قالوا : ]يأكل الطعام ويمشي في الأسواق[ ( الفرقان : 7 ) ينكرون الرسالة في الفقراء وذوي الحاجة ، ويرونها في ذوي الملك والأموال . ولذلك قالوا : ]لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم[ ( الزخرف : 31 ) .

فعلى ذلك قولهم : ]يأكل الطعام ويمشي في الأسواق[ وفي حوائجه كما يمشي الفقراء . ولو كان رسولا لكان ملكا غنيا ، يأكل طعام الملوك ، ولا تقع له الحاجة إلى أن يمشي في الأسواق وفي حوائجه .

فأجاب لهم في طعنهم فيه أنه بشر مثلهم وإنكارهم الرسالة في البشر في وجوه : أحدها : قوله : ]لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر[ الآية ( الأنعام : 8 ) معناه ، والله أعلم . أنه لا ينزل الملك إلا بالعذاب . فلو أنزل لأنزل بالعذاب ، فأهلكوا .

والثاني : ما قال : ]ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا[ الآية ( الأنعام : 9 ) تأويله ، والله أعلم ، أنه لم يجعل في وسع البشر رؤية الملك على صورته وعلى ما هو عليه ؛ إذ جنس هذا غير جنس أولئك ، وجوهره غير جوهر أولئك . ]ولو جعلناه[ هكذا كنا لبسنا عليهم ما كان يلبس أولئك القادة على الأتباع كقولهم{[14328]} : إنه ساحر ، وإنه كذاب ، وإنه مجنون ، فكان ذلك تلبيسا{[14329]} عليهم .

والثالث : ما قال : ]قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين[ الآية ( الإسراء : 95 ) أي لو كان أهل الأرض ملائكة لكنا أنزلنا عليهم الرسول ملكا من جنسهم وجوهرهم لأنهم أعرف به ، وأظهر صدقا عندهم ممن هو من غير جوهرهم وجنسهم .

فإذا كان أهل الأرض بشرا فالرسول إذن كان منهم ؛ فهم أعرف به ، وصدقه أظهر عندهم ، وقلوبهم إليه أميل إلى من هو من غير جنسهم .

وأجاب لطعنهم في أكله ومشيه في الأسواق حين{[14330]} قال : ]وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق[ ( الفرقان : 20 ) في حوائجهم ، أي{[14331]} غيره من الرسل الذين تؤمنون أنتم بهم كانوا فقراء ، يأكلون الطعام ، ويمشون في حوائج أنفسهم . ثم لم يمنع ذلك عن أن يكونوا موضعا لرسالته .

فعلى ذلك محمد : الفقير وذو الحاجة أحق أن يكون موضعا لرسالته من الغني ، الثري لأن الناس يتبعون الغني ومن له الملك والثروة . فلو كان الرسول غنيا ثريا ملكا لكان لا يظهر متبع الحق من غيره . وإذا كان فقيرا محتاجا لظهر ذلك ، اللهم إلا أن يكون ملكه{[14332]} هو آية لرسالته{[14333]} نحو ملك سليمان وداوود . ( وذلك بنفسه ){[14334]} آية لرسالته على ما قال : ]وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي[ ( ص : 35 ) والله أعلم .

وقوله تعالى : ]لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا[ كأنهم قالوا ذلك لما نزل قوله : ]تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا[ قالوا /375- ب/عند ذلك ]لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا( .


[14324]:في الأصل وم: و.
[14325]:في الأصل وم: يطعنون.
[14326]:في الأصل وم: حيث.
[14327]:في الأصل وم: حيث.
[14328]:في الأصل وم: كقوله.
[14329]:في الأصل وم: تلبيس.
[14330]:في الأصل وم: حيث.
[14331]:من م، في الأصل: إلى.
[14332]:في الأصل وم: ملكا.
[14333]:في الأصل وم: الرسالة
[14334]:في الأصل وم: ذلك لنفسه.