فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمۡشِي فِي ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَلَكٞ فَيَكُونَ مَعَهُۥ نَذِيرًا} (7)

لما فرغ سبحانه من ذكر ما طعنوا به على القرآن ذكر ما طعنوا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ؛ { وَقَالُواْ مَالِ هذا الرسول } وفي الإشارة هنا تصغير لشأن المشار إليه ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسموه رسولا استهزاء وسخرية { يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق } أي ما باله يأكل الطعام كما نأكل ، ويتردّد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردّد ، وزعموا أنه كان يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن الطعام والكسب ، وما الاستفهامية في محل رفع على الابتداء ، والاستفهام للاستنكار ، وخبر المبتدأ لهذا الرسول ، وجملة { يَأْكُلُ } في محل نصب على الحال ، وبها تتمّ فائدة الإخبار كقوله : { فَمَا لَهُمْ عَنِ التذكرة مُعْرِضِينَ } [ المدثر : 49 ] ، والإنكار متوجه إلى السبب مع تحقق المسبب ، وهو الأكل والمشي ، ولكنه استبعد تحقق ذلك لانتفاء سببه عندهم تهكماً واستهزاء ، والمعنى : أنه إن صحّ ما يدّعيه من النبوّة ، فما باله لم يخالف حاله حالنا { لَوْلا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً } طلبوا أن يكون النبيّ صلى الله عليه وسلم مصحوباً بملك يعضده ويساعده ، تنزلوا عن اقتراح أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ملكاً مستغنياً عن الأكل والكسب ، إلى اقتراح أن يكون معه ملك يصدّقه ، ويشهد له بالرسالة ، قرأ الجمهور { فيكون } بالنصب على كونه جواب التحضيض . وقرىء { فيكون } بالرفع على أنه معطوف على أنزل ، وجاز عطفه على الماضي ، لأن المراد به المستقبل .

/خ16