وقوله - تعالى - : { وجيء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } أى : وأحضرت جهنم وظهرت وبرزت للكافرين والفاسقين يوم القيامة ، يوم تدك الأرض دكا .
وقوله : { يَوْمَئِذٍ } منصوب بقوله { وجئ } . وقوله { جهنم } قائم مقام الفاعل .
روى الإِمام مسلم فى صحيحه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها . . " .
{ يَوْمَئِذٍ } أى : فى هذا اليوم العسير ، وهو يوم القيامة - وهو بدل من قوله - تعالى - : { إِذَا دُكَّتِ الأرض } - { يَتَذَكَّرُ الإنسان } أى : يتذكر ما فرط منه من ذنوب ، وما ارتكبه من سيئات ، وما وقع فيه من كفر وفسوق عن أمر ربه .
{ وأنى لَهُ الذكرى } أى : ومن أين له الانتفاع بهذا التذكر ، لأنه تذكر قد جاء فى غير وقت الانتفاع به ، وهو وقت الحساب على الأعمال ، لا وقت التوبة من السيئ منها .
وقوله : { وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا عمر بن حفص بن{[30060]} غياث ، حدثنا أبي ، عن العلاء بن خالد الكاهلي ، عن شقيق ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف مَلَك يجرونها " .
وهكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، عن عمر بن حفص ، به{[30061]} ورواه أيضا عن عبد بن حُمَيد ، عن أبي عامر ، عن سفيان الثوري ، عن العلاء بن خالد ، عن شقيق ابن سلمة - وهو أبو وائل - عن عبد الله بن مسعود ، قوله ولم يرفعه{[30062]} وكذا رواه ابن جرير ، عن الحسن بن عرفة ، عن مَروان بن معاوية الفزاري ، عن العلاء بن خالد ، عن شقيق ، عن عبد الله ، قوله{[30063]} .
وقوله : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ } أي : عمله وما كان أسلفه في قديم دهره وحديثه ، { وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى } أي : وكيف تنفعه الذكرى ؟
وقوله : وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ يقول تعالى ذكره : وجاء الله يومئذٍ بجهنم ، كما :
حدثنا الحسن بن عرفة قال : حدثنا مروان الفزاريّ ، عن العلاء بن خالد الأسديّ ، عن شقيق بن سلمة ، قال : قال عبد الله بن مسعود ، في قوله : وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ قال : جيء بها تُقاد بسبعين ألف زمام ، مع كلّ زمام سبعون ألف ملك يقودونها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا يحيى بن واضح ، قال : حدثنا الحسين ، عن عاصم قال : بَهدلة ، عن أبي وائل : وَجِيءَ يَوْمَئذٍ بِجَهَنّمَ قال : يُجاء بها يوم القيامة تُقاد بسبعين ألف زمام ، مع كلّ زمام سبعون ألف ملك .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الحكم بن بشير ، قال : حدثنا عمرو بن قيس ، عن قتادة ، قال : جنَبتيه : الجنة والنار قال : هذا حين ينزل من عرشه إلى كرسيه ، لحساب خلقه ، وقرأ : وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهنّمَ قال : جيء بها مزمومة .
وقوله : يَوْمَئِذٍ يَتَذَكّرُ الإنْسانُ يقول تعالى ذكره : يومئذٍ يتذكر الإنسان تفريطه في الدنيا في طاعة الله ، وفيما يقرّب إليه من صالح الأعمال وَأنّى لَهُ الذّكْرَى يقول : من أيّ وجه له التذكير . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : وَأنّى لَهُ الذّكْرَى ؟ يقول : وكيف له ؟
روي في قوله تعالى : { وجيء يومئذ بجهنم } أنها تساق إلى الحشر بسبعين ألف زمام ، يمسك كل زمام سبعون ألف ملك فيخرج منها عنق فينتقي الجبابرة من الكفار في حديث طويل مختلف الألفاظ{[11812]} ، و «جهنم » هنا ، هي النار بجملتها ، وروي أنه لما نزلت { وجيء يومئذ بجهنم } تغير لون النبي صلى الله عليه وسلم{[11813]} ، وقوله تعالى : { يتذكر الإنسان } معناه : يتذكر عصيانه وطغيانه ، وينظر ما فاته من العمل الصالح ، ثم قال تعالى : { وأنى له الذكرى } .
واستعمال { وجيء يومئذ بجهنم } كاستعمال مَجيء الملك ، أي أحضرت جهنم وفتحت أبوابها فكأنها ( جاءَ ) بها جاء والمعنى : أظهرت لهم جهنم قال تعالى : { حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها } [ الزمر : 71 ] وقال : { وبرزت الجحيم لمن يرى } [ النازعات : 36 ] وورد في حديث مسلم عن ابن مسعود يرفعه : « أن لجهنم سبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها » وهو تفسير لمعنى { وجيء يومئذ بجهنم } . وأمور الآخرة من خوارق العادات .
وإنما اقتصر على ذكر جهنم لأن المقصود في هذه السورة وعيد الذين لم يتذكروا وإلا فإن الجنة أيضاً مُحضرة يومئذ قال تعالى : { وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين } [ الشعراء : 90 91 ] .
و { يومئذ } الأول متعلق بفعل { جيء } . والتقدير : وجيء يوم تُدَكّ الأرض دَكّاً دكّاً إلى آخره .
و { يومئذ } الثاني بدل من { إذا دكت الأرض } والمعنى : يوم تدكّ الأرض دكاً إلى آخره يتذكر الإِنسان . والعامل في البدل والمبدل منه معاً فعل { يتذكر } . وتقديمه للاهتمام مع ما في الإطناب من التشويق ليحصل الإِجمال ثم التفصيل مع حسن إعادة ما هو بمعنى { إذا } لزيادة الربط لطول الفصل بالجمل التي أضيف إليها { إذا } .
و { الإِنسان } : هو الإِنسان الكافر ، وهو الذي تقدم ذكره في قوله تعالى : { فأما الإِنسان إذا ما ابتلاه ربه } [ الفجر : 15 ] الآية فهو إظهار في مقام الإِضمار لبعد مَعاد الضمير .
وجملة : { وأنى له الذكرى } معترضة بين جملة { يتذكر الإنسان } وجملة : { يقول } الخ .
و { أنّى } اسم استفهام بمعنى : أين له الذكرى ، وهو استفهام مستعمل في الإِنكار والنفي ، والكلامُ على حذف مضاف ، والتقدير : وأين له نَفْع الذكرى .