إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۭ بِجَهَنَّمَۚ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ} (23)

{ وَجِيء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } كقولِه تعالَى : { وَبُرّزَتِ الجحيم } [ سورة الشعراء ، الآية 91 ] قال ابنُ مسعودٍ ومقاتلٌ تُقادُ جهنمُ بسبعينَ ألفَ زمامٍ كلُّ زمامٍ معه سبعونَ ألفَ مَلَكٍ يَجرونَها حتى تُنصبَ عن يسارِ العرشِ لها تغيظٌ وزفيرٌ وقد رَواهُ{[846]} مسلمٌ في صحيحِه عن ابنِ مسعودٍ مَرْفُوعاً . { يَوْمَئِذٍ } بدلٌ مِنْ إذَا دكتْ والعاملُ فيهمَا قولُه تعالى : { يَتَذَكَّرُ الإنسان } أي يتذكرُ ما فرَّطَ فيهِ بتفاصيلِه بمشاهدةِ آثارِه وأحكامِه أو بمعاينةِ عينِه على أنَّ الأعمالَ تتجسمُ في النشأةِ الآخرةِ فيبرز كلٌّ من الحسناتِ والسيئاتِ بما يناسبُها من الصورِ الحسنةِ والقبيحةِ أَوْ يتعظُ وقولُه تعالى : { وأنى لَهُ الذكرى } اعتراضٌ جِيء بهِ لتحقيقِ أنه ليسَ يتذكرُ حقيقةً لعرائِه عن الجَدوى بعدمِ وقوعِه في أوانه وأنَّى خبرٌ مقدمٌ والذكْرَى مبتدأٌ وله متعلقٌ بما تعلقَ بهِ الخبرُ أيْ ومنْ أينَ يكونُ له الذكْرَى وقد فاتَ أوانُها وقيلَ هناكَ مضافٌ محذوفٌ أيْ وأنَّى له منفعةُ الذكْرَى ، والاستدلالُ به عَلى عدم وجوبِ قبولِ التوبةِ في دارِ التكليفِ مما لا وجه لَهُ ، على أن تذكّره ليسَ من التوبةِ في شيءٍ فإنَّه عالمٌ بأنَّها إنما تكونُ في الدُّنيا كما يُعربُ عنْهُ قولُه تعالَى : { يَقُولُ يا ليتني قَدَّمْتُ لِحَيَاتي } .


[846]:أورده مسلم في صحيحه (4/2184) رقم (29) عنه.