اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۭ بِجَهَنَّمَۚ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ} (23)

قوله : { وجيء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } .

«يومئذ » : منصوب ب «جيء » ، والقائم مقام الفاعل : «بجهنم » وحوز مكيٍّ : أن يكون «يومئذ » : قائم مقام الفاعل .

وأمَّا «يومئذ » الثاني فقيل : بدل من «إذا دُكَّتِ » ، والعامل فيها : «يتذكر » ، قاله الزمخشري{[60171]} وهذا مذهب سيبويه .

وقيل : إن العامل في «إذا دكت » : يقول ، والعامل في «يومئذ » : يتذكر ، قاله أبو البقاء{[60172]} .

فصل

قال ابنُ مسعودٍ ومقاتلٌ : «تقادُ جهنَّمُ بِسبْعِينَ ألف زمام ، كُل زِمَامٍ بيدِ سبْعينَ ألْف ملكٍ يجرونها ، لهَا تَغَيُّظٌ وزفيرٌ ، حتَّى تنصبَّ عن يسارِ العرْشِ »{[60173]} .

رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً .

وقال أبُو سعيدٍ الخدريُّ : «لما نزلت : { وجيء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } تغير لون رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرف في وجهه ، حتى اشتد على أصحابه ، ثم قال : أقْرأنِي جِبْريلُ : { كَلاَّ إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً دَكّاً } ، - الآية - { وجيء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } ، قال علي - رضي الله عنه - : قلت : يا رسول الله ، كيف يجاءُ بها ؟ قال : «يُؤْتَى بِهَا تُقَادُ بِسبعِينَ ألْف زمامٍ ، يَقُودُ بكُلِّ زمَامٍ سَبعُونَ ألْف ملكٍ ، فتشْردُ شَرْدَةً لو تُرِكَتْ لأحْرقَتْ أهْلَ الجَمْعِ ، ثُمَّ تعْرضُ لِي جهنَّمُ ، فتقول : مَا لِي ولَكَ يا مُحَمَّدُ ، إنَّ الله قَدْ حَرَّمَ لحْمَكَ عليَّ ، فلا يَبْقَى أحَدٌ إلاَّ قال : نَفْسِي نَفْسِي ، إلاَّ محمدٌ صلى الله عليه وسلم فإنَّه يقُولُ : ربِّ أمَّتِي ، ربِّ أمَّتِي »{[60174]} .

قال ابن الخطيب{[60175]} : قال الأصوليون : معلوم أنَّ جهنَّم لا تنقل من مكانها ، ومعنى مجيئها : برزت وظهرت حتى يراها الخلق ، ويعلم الكافر أنَّ مصيره إليها .

قوله : { يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان } . تقدم الكلام في إعراب : «يومئذ » ، والمعنى : يتَّعظُ الكافرُ ، ويتوب من همته بالدُّنيا وقيل : يتذكر أن ذلك كان ضلالاً .

{ وأنى لَهُ الذكرى } أي : ومن أين له الاتِّعاظٌُ والتوبة ، وقد فرط فيها الدنيا .

وقيل : ومن أين له منفعة الذِّكرى ، فلا بُدُّ من تقدير حذفِ المضاف ، «وإلاَّ فبين يومئذٍ يَتذكَّر » وبين : «وأنَّى لهُ الذِّكْرى » تناف . قاله الزمخشري{[60176]} .

قوله : «وأنَّى » خبر مقدم ، و «الذكرى » : مبتدأ مؤخر ، و«له » متعلق بما تعلق به الظرف .


[60171]:ينظر: الكشاف 4/751.
[60172]:ينظر: الإملاء 2/287.
[60173]:ورد هذا الأثر عن ابن مسعود مرفوعا أخرجه مسلم وغيره وقد تقدم تخريجه.
[60174]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/587) وعزاه إلى ابن مردويه عن أبي سعيد.
[60175]:ينظر: الفخر الرازي 31/158.
[60176]:الكشاف 4/752.