تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَجِاْيٓءَ يَوۡمَئِذِۭ بِجَهَنَّمَۚ يَوۡمَئِذٖ يَتَذَكَّرُ ٱلۡإِنسَٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذِّكۡرَىٰ} (23)

الآية 23 : وقوله تعالى : { وجاء يومئذ بجهنم } قيل فيه من أوجه :

أحدها : أنها أظهرت ، وبرزت لأهلها على ما قال في آية أخرى : { وبرزت الجحيم للغاوين } [ الشعراء : 91 ] لا أنها كانت في مكان فنقلت عنه ، وقد يراد بالمجيء الظهور قال الله تعالى : { لقد جاءكم رسول من أنفسكم } [ التوبة : 128 ] ومعناه : ظهر لكم لا أن كان في مكان آخر [ جاء منه ]{[23606]} إليهم .

[ الثاني : ما ]{[23607]} قال بعضهم : جيء بأهلها إليها ، أي إلى جهنم ، فتكون حقيقة المجيء من الأهل ، ثم نسب إليها لأنهم إذا أتوها فقد أتتهم هي ، وهو كقوله : { إنه كان وعده/641 – أأتيا } [ مريم : 61 ] فنسب الإتيان إلى الذي يأتيه الوعد ، فيكون الوعد ، هو الذي يأتي أهله .

[ الثالث : ما ]{[23608]} قال بعضهم : { وجاء يومئذ بجهنم } أي يومئذ تجيء زفرتها وشهيقها وتغيظها على أهلها لا أن تعبر عن مكانها .

ومنهم من حمله على حقيقة المجيء ، فذكر أنه يؤتى بها ، ولها سبعون ألف زمام ، على كل زمام سبعون ألف ملك ، والله أعلم بذلك .

وقوله تعالى : { يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى } يحتمل أن يتذكر إشفاق الأنبياء عليهم السلام ونصيحتهم له{[23609]} ، فيعلم أنه كان في ما توهم بهم من الظنون الفاسدة مبطلا ، فيكون بذكره ذلك [ مصدقا للرسل ]{[23610]} عليهم السلام { وأنى له الذكرى } أي لا ينفعه تصديقه إياهم ، إذ لم يصدقهم في الدنيا ، أو { يتذكر } في أن يتلهف على ما فرط في جنب الله من التقصير في حقوقه والتضييع الذي سبق منه حين{[23611]} لم يشكر نعمه ، ولم يوجه إليه العبادة ، فيكون تلهفه ذلك إيمانا ، ولكن لا ينفعه تلهفه في ذلك الوقت لأن تلك الدار ليست بدار امتحان ، بل دار جزاء .

والذي يحمله على التصديق مشاهدته الجزاء والحساب ، وعند المشاهدة ترتفع المحنة ، ويكون إيمانه حينئذ{[23612]} ضروريا لا حقيقة ، فذلك لا ينفعه ، وإنما تنفعه الطاعة وقت ملكه نفسه .

فأما إذا خرج ملك نفسه من يده لم يقع له بالإيمان جدوى .

وقال بعضهم : { يتذكر الإنسان } أي يتعظ ، وأنى له الانتفاع بالموعظة .

ثم في هذا التذكر بيان لطف من الله تعالى ، يعطيه [ إياه ]{[23613]} حتى يتذكر ، وإلا فالإنسان يذهب عليه ما قد كتبه في وقت إذا أتى عليه حين ، حتى لو أراد أن يتذكر وقت كتابته ، لم يقدر عليه .

ثم الله تعالى يذكره في الآخرة جميع ما سبق منه في الدنيا ، فيتذكر ذلك .


[23606]:في الأصل وم: به.
[23607]:في الأصل وم: و.
[23608]:في الأصل وم: و.
[23609]:في الأصل وم: لهم.
[23610]:في الأصل وم: تصديقا من الرسل.
[23611]:في الأصل وم: حيث.
[23612]:في الأصل وم: ذلك.
[23613]:ساقطة من الأصل وم.