ثم بين - سبحانه - ما يكون بينه وبينهم يوم القيامة فقال ؛ { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } : أى : ثم إنكم جميعا يوم القيامة عند ربكم وخالقكم تختصمون وتحتكمون ، فتقيم عليهم - أيها الرسول الكريم - الحجة ، بأنك قد بلغت الرسالة ، وهم يعتذرون بالأباطيل والتعليلات الكاذبة ، والأقوال الفاسدة ، وسينتقم ربك من الظالم للمظلوم ، ومن المبطل للمحق .
هذا ، وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية ، جملة من الأحاديث والآثار فقال ما ملخصه : ثم إن هذه الآية - وإن كان سياقها فى المؤمنين والكافرين ، وذكر الخصومة بينهم فى الدار الآخرة - فإنها شاملة لكل متنازعين فى الدنيا ، فإنه تعاد عيهم الخصومة فى الدار الآخرة .
روى ابن أبى حاتم عن الزبير بن العوام - رضى الله عنه - قال : " لما نزلت هذه الآية قلت : يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة ؟ قال : نعم . قلت : إن الأمر إذا لشديد " . وروى الإِمام أحمد عن أبى سعيد الخدرى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ " والذى نفسى بيده إنه ليختصم حتى الشاتان فيما انتطحتا " . وقال ابن عباس : يخاصم الصادقُ الكاذبَ ، والمظلومُ الظالمَ ، والمهدىُّ الضالَّ ، والضعيفُ المُسْتَكْبِرَ .
ثم يلي ذلك تقرير ما بعد الموت . فالموت ليس نهاية المطاف . إنما هو حلقة لها ما بعدها من حلقات النشأة المقدرة المدبرة ، التي ليس شيء منها عبثاً ولا سدى . فيوم القيامة يختصم العباد فيما كان بينهم من خلاف .
ويجيء رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أمام ربه ويوقف القوم للخصومة فيما كانوا يقولونه ويأتونه ، ويواجهون به ما أنزل الله إليهم من الهدى .
والضمير في { إنكم } قيل هو عام فيختصم يوم القيامة المؤمنون والكافرون فيما كان من ظلم الكافرين لهم في كل موطن ظلموا فيه ، ومن هذا قول علي بن أبي طالب : أنا أول من يجثو يوم القيامة للخصومة بين يدي الرحمن ، فيختصم علي وحمزة وعبيدة بن الحارث مع عتبه وشيبة والوليد ، ويختصم أيضاً المؤمنون بعضهم مع بعض في ظلاماتهم ، قاله أبو العالية وغيره . وقال الزبير بن العوام للنبي عليه السلام : أيكتب علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال نعم ، حتى يؤدى إلى ذي كل حق حقه . وقد قال عبد الله بن عمر لما نزلت هذه الآية : كيف نختصم ونحن أخوان ؟ فلما قتل عثمان وضرب بعضنا وجوه بعض بالسيوف ، قلنا هذا الخصام الذي وعدنا ربنا . ويختصم أيضاً على ما روي : الروح مع الجسد ، في أن يذنب كل واحد منهما صاحبه ويجعل المعصية في حيزه ، فيحكم الله تعالى بشركتهما في ذلك .
قال القاضي أبو محمد : ومعنى الآية عندي أن الله تعالى توعدهم بأنهم سيخاصمون يوم القيامة في معنى ردهم في معنى الشريعة وتكذيبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.