المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (172)

172- لقد أبحنا للناس كل حلال{[9]} خلقناه لهم في الأرض ، ونهيناهم أن يتبعوا خطوات الشيطان ، فإنْ فعلوا اهتدوا ، وإن أبوا فإنا نخص المؤمنين بهدايتنا ونبيِّن الحلال والحرام ، في أيها الذين آمنوا أبيح لكم أن تأكلوا من لذيذ الطعام الطيب غير الخبيث ، فاشكروا الله على ما أولاكم من نعمة التمكين من الطيبات وإباحتها ، ومن نعمة الطاعة والامتثال لأمره لتتم عبادتكم .


[9]:سبق القرآن الكريم الطب الحديث بتحريم الميتة لأن ما يموت بشيخوخة أو مرض يكون موته بسبب مواد سامة ضارة تصل ّإلى من يأكله، وفوق ذلك فإن الميت بالاختناق، أو المرض ينحبس فيه الدم، وفيه مواد ضارة كثيرة يشتمل عليها العرق والبول، والخنزير ينقل الأمراض الخطيرة مثل التنيا، كما أنه الحيوان الوحيد الذي يصاب بالتركينا التي تصيب آكله إذا أكله.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (172)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }

هذا أمر للمؤمنين خاصة ، بعد الأمر العام ، وذلك أنهم هم المنتفعون على الحقيقة بالأوامر والنواهي ، بسبب إيمانهم ، فأمرهم بأكل الطيبات من الرزق ، والشكر لله على إنعامه ، باستعمالها بطاعته ، والتقوي بها على ما يوصل إليه ، فأمرهم بما أمر به المرسلين في قوله { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا }

فالشكر في هذه الآية ، هو العمل الصالح ، وهنا لم يقل " حلالا " لأن المؤمن أباح الله له الطيبات من الرزق خالصة من التبعة ، ولأن إيمانه يحجزه عن تناول ما ليس له .

وقوله { إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } أي : فاشكروه ، فدل على أن من لم يشكر الله ، لم يعبده وحده ، كما أن من شكره ، فقد عبده ، وأتى بما أمر به ، ويدل أيضا على أن أكل الطيب ، سبب للعمل الصالح وقبوله ، والأمر بالشكر ، عقيب النعم ، لأن الشكر يحفظ النعم الموجودة ، ويجلب النعم المفقودة كما أن الكفر ، ينفر النعم المفقودة ويزيل النعم الموجودة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (172)

قوله تعالى : { ياأيها الذين آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ . . . }

الطيبات من الأطعمة : المستلذات ، ويجوز حملها على ما طاب من الرزق بتحليل الله له .

وما رزقناكم : ما أوصلناه إليكم من الرزق - وهو ما ينتفع به .

أي : يا من آمنتم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر كلوا من ألوان الطيبات التي أحللناها لكم ، ولا تتعرضوا لما حرمناه عليكم .

وكان الخطاب هنا للمؤمنين خاصة ، لأنهم أحق بالفهم ، وأجدر بالعلم وأححرى بالاهتداء ، وأولى بالتكريم والتشريف .

ومفعول { كُلُواْ } محذوف ، أي : كلوا رزقكم حال كونه بعض طيبات ما رزقناكم .

ثم أمرهم - سبحانه - بشكره على هذه الطيبات التي أباحها لهم فقال : { واشكروا للَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }

وهذه الجملة الكريمة معطوفة على جملة { كُلُواْ } .

والشكر : هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم لموجدها ، ووضعها في الموضع الذي أمر به .

أي : تمتعوا بنعم الله ، واعترفوا له بها على وجه التعظيم ، بأن تمتثلوا ما أمر به ، وتجتنبوا ما نهى عنه ، إن كنتم تخصونه بالعبادة حقاً ، وتفردونه بالطاعة صدقاً .

قال الآلوسي : وجملة { إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } بمنزلة التعليل لطلب الشكر ، كأنه قيل : " واشكروا له لأنكم تخصونه بالعبادة ، وتخصيصكم إياه بالعبادة ، يدل على أنكم تريدون عبادة كاملة تليق بكبريائه ، وهي لا تتم إلا بالشكر ، لأنه من أجل العبادات " .

وجواب الشرط محذوف دل عليه المذكور والتقدير : إن كنتم إياه تعبدون فكلوا واشكروا لله .

وقال - تعالى - { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ } وفي الحديث الصحيح الذي رواه البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر " وروى الإِمام مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ، أو يشرب الشربة فيحمده عليها " .

قال صاحب المنار : قال الأستاذ الإِمام : لا يفهم هذه الآية حق فهمهما إلا من كان عارفاً بتاريخ الملل عند ظهور الإِسلام وقبله ، فإن المشركين وأهل الكتاب كانوا فرقاً وأصنافاً ، منهم من حرم على نفسه أشياء معينة بأجناسها أو أصنافهم كالبحيرة والسائبة عند العرب ، وكبعض الحيوانا عند غيرهم وكان المذهب الشائع في النصارى أن أقرب ما يتقرب به إلى الله - تعالى - تعذيب النفس ، وحرمانها من الطيبات المستلذة ، واحتقار الجسد ولوازمه ، واعتقاد أنه لا حياة للروح إلا بذلك . . . ثم قال : وقد تفضل الله على هذه الأمة بأن جعلها أمة وسطاً تعطى الجسد حقه والروح حقها ، فأحل لنا الطيبات لتتسع دائرة نعمه الجسدية علينا ، وأمرنا بالشكر عليها ليكون لنا منها فوائد روحانية عقلية ، فلم نكن جسمانيين محضاً كالأنعام ، ولا روحانيين خلصاً كالملائكة ، وإنما جعلنا أناسي كملة بهذه الشريعة المعتدلة ، فله الحمد والشكر والثناء الحسن .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (172)

158

وهنا يتجه بالحديث - خاصة - إلى الذين آمنوا . يبيح لهم الأكل من طيبات ما رزقهم . ويوجههم إلى شكر المنعم على نعمه . ويبين لهم ما حرم عليهم ، وهو غير الطيبات التي أباحها لهم . ويندد بالذين يجادلونهم في هذه الطيبات والمحرمات من اليهود . وهي عندهم في كتابهم :

( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم ، واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون . إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله . فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . إن الله غفور رحيم . إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا ، أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم . أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ! ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ، وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاق بعيد ) . .

إن الله ينادي الذين آمنوا بالصفة التي تربطهم به سبحانه ، وتوحي إليهم أن يتلقوا منه الشرائع ؛ وأن يأخذوا عنه الحلال والحرام . ويذكرهم بما رزقهم فهو وحده الرازق ، ويبيح لهم الطيبات مما رزقهم ؛ فيشعرهم أنه لم يمنع عنهم طيبا من الطيبات ، وأنه إذا حرم عليهم شيئا فلأنه غير طيب ، لا لأنه يريد أن يحرمهم ويضيق عليهم - وهو الذي أفاض عليهم الرزق ابتداء - ويوجههم للشكر إن كانوا يريدون أن يعبدوه وحده بلا شريك . فيوحي إليهم بأن الشكر عبادة وطاعة يرضاها الله من العباد . . كل أولئك في آية واحدة قليلة الكلمات :

( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون )

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (172)

{ يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } لما وسع الأمر على الناس كافة وأباح لهم ما في الأرض سوء ما حرم عليهم ، أمر المؤمنين منهم أن يتحروا طيبات ما رزقوا ويقوموا بحقوقها فقال : { واشكروا لله } على ما رزقكم وأحل لكم . { إن كنتم إياه تعبدون } إن صح أنكم تخصونه بالعبادة ، وتقرون أنه مولى النعم ، فإن عبادته تعالى لا تتم إلا بالشكر . فالمعلق بفعل العبادة هو الأمر بالشكر لإتمامه ، وهو عدم عند عدمه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم " يقول الله تعالى : إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويعبد غيري ، وأرزق ويشكر غيري " .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ وَٱشۡكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمۡ إِيَّاهُ تَعۡبُدُونَ} (172)

اعتراض بخطاب المسلمين بالامتنان عليهم بإباحة ما في الأرض من الطيبات ، جَرَّت إليه مناسبة الانتقال ، فقد انتُقل من توبيخ أهل الشرك على أن حَرَّموا ما خلقه الله من الطيبات إلى تحذير المسلمين من مثل ذلك مع بيان ما حُرِّم عليهم من المطعومات ، وقد أعيد مضمون الجملة المتقدمة جملة { يأيها الناس كلوا مما في الأرض } [ البقرة : 168 ] بمضمون جملة { يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ليكون خطاب المسلمين مستقلاً بنفسه ، ولهذا كان الخطاب هنا بيأيها الذين آمنوا ، والكلام على الطيبات تقدم قريباً .

وقوله : { واشكروا لله } معطوف على الأمر بأكل الطيبات الدال على الإباحة والامتنان ، والأمر في { اشكروا } للوجوب لأن شكر المنعم واجب . وتقدم وجه تعدية فعل الشكر بحرف اللام عند قوله تعالى : { واشكروا لي } [ البقرة : 152 ] .

والعدول عن الضمير إلى الاسم الظاهر لأن في الاسم الظاهر إشعاراً بالإلاهية فكأنه يومِىء إلى ألاَّ تشكر الأصنام ؛ لأنها لم تَخلُق شيئاً مما على الأرض باعتراف المشركين أنفسهم فلا تستحق شكراً . وهذا من جعل اللقب ذا مفهوم بالقرينة ؛ إذ الضمير لا يصلح لِذلك إلاّ في مواضع . ولذلك جاء بالشرط فقال : { إن كنتم إياه تعبدون } أي اشكروه على ما رزقكم إن كنتم ممن يتصف بأنه لا يعبد إلاّ الله أي إن كنتم هذا الفريق وهذه سجيتكم ، ومن شأن كان إذا جاءت وخبرها جملة مضارعية أن تدل على الاتصاف بالعنوان لا على الوقوع بالفعل مثل قوله : { إن كنتم للرؤيا تعبرون } [ يوسف : 43 ] أي إن كان هذا العلم من صفاتكم ، والمعنى إن كنتم لا تشركون معه في العبادة غيره فاشكروه وحده . فالمراد بالعبادة هنا الاعتقاد بالإلاهية والخضوع والاعتراف وليس المراد بها الطاعات الشرعية . وجواب الشرط محذوف أغنى عنه ما تقدم من قوله { واشكروا } .