التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ} (3)

{ إله الناس } أي : الذى يدين له الناس بالعبودية والخضوع والطاعة ؛ لأنه هو وحده الذى خلقهم وأوجدهم فى هذه الحياة ، وأسبغ عليهم من النعم ما لا يحصى .

وبدأ - سبحانه - بإضافة الناس إلى ربهم ؛ لأن الربوبية من أوائل نعم الله - تعالى - على عباده ، وثنى بذكر المالك ؛ لأنه إنما يدرك ذلك بعد أن يصير عاقلا مدركا ، وختم بالإِضافة إلى الألوهية ؛ لأن الإِنسان بعد أن يدرك ويتعلم ، يدرك أن المستحق للعبادة هو الله رب العالمين .

قال الجمل : وقد وقع ترتيب هذه الإِضافات على الوجه الأكمل ، الدال على الوحدانية ؛ لأن من رأى ما عليه من النعم الظاهرة والباطنة ، علم أن له مربيا ، فإذا درج فى العروج . .

علم أنه - تعالى - غني عن الكل ، والكل راجع إليه ، وعن أمره تجري أمورهم ، فيعلم أنه ملكهم ، ثم يعلم بانفراده بتدبيرهم بعد إبداعهم ، أنه المستحق للألوهية بلا مشارك فيها . .

وإنما خصت هذه الصفات بالإضافة إلى الناس - مع أنه - سبحانه - رب كل شيء - على سبيل التشريف لجنس الإِنسان ، ولأن الناس هم الذين أخطأوا في حقه - تعالى - ؛ إذ منهم من عبد الأصنام ، ومنهم من عبد النار ، ومنهم من عبد الشمس إلى غير ذلك من المبعودات الباطلة التي هي مخلوقات له - تعالى - .

قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم قيل : " برب الناس " مضافا إليهم خاصة ؟ قلت : لأن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس فى صدور الناس . فكأنه قيل : أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بربهم ، الذي يملك عليهم أمورهم ، كما يستغيث بعض الموالي إذا اعتراهم خطب بسيدهم ومخدومهم ووالي أمرهم .

فإن قلت : " ملك الناس . إله الناس " ما هما من رب الناس ؟ قلت : هما عطفا بيان ، كقولك : سيرة أبي حفص عمر الفاروق . بين بملك الناس ، ثم زيد بيانا بإله الناس . .

فإن قلت : فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة ؟ قلت : أظهر المضاف إليه الذي هو الناس ؛ لأن عطف البيان للبيان ، فكان مظنة للإِظهار دون الإِضمار . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ} (3)

والله رب كل شيء ، وملك كل شيء ، وإله كل شيء . ولكن تخصيص ذكر الناس هنا يجعلهم يحسون بالقربى في موقف العياذ والاحتماء .

والله - برحمة منه - يوجه رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] وأمته إلى العياذ به والالتجاء إليه ، مع استحضار معاني صفاته هذه ، من شر خفي الدبيب ، لا قبل لهم بدفعه إلا بعون من الرب الملك الإله . فهو يأخذهم من حيث لا يشعرون ، ويأتيهم من حيث لا يحتسبون . والوسوسة : الصوت الخفي . والخنوس : الاختباء والرجوع . والخناس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ} (3)

وقوله : { إلَهِ النّاسِ } يقول : معبود الناس ، الذي له العبادة دون كلّ شيء سواه .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ} (3)

{ ملك الناس إله الناس } عطفا بيان له فإن الرب قد لا يكون ملكا والملك قد لا يكون إلها وفي هذا النظم دلالة على أنه حقيق بالإعاذة قادرا عليها غير ممنوع عنها وإشعار على مراتب الناظر في المعارف فإنه يعلم أولا بما عليه من النعم الظاهرة والباطنة أن له ربا ثم يتغلل في النظر حتى يتحقق أنه غني عن الكل وذات كل شيء له ومصارف أمره منه فهو الملك الحق ثم يستدل به على أنه المستحق للعبادة لا غير ويتدرج وجوه الاستعاذة كما يتدرج في الاستعاذة المعتادة تنزيلا لاختلاف الصفات منزلة اختلاف الذات إشعارا بعظم الآفة المستعاذة منها وتكرير الناس لما في الإظهار من مزيد البيان والإشعار بشرف الإنسان .

   
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{إِلَٰهِ ٱلنَّاسِ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

وهو{ إله الناس } كلهم ...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

وقوله : { إلَهِ النّاسِ } يقول : معبود الناس ، الذي له العبادة دون كلّ شيء سواه .

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

وقوله :{ إله الناس } معناه: أنه الذي يجب على الناس أن يعبدوه ، لأنه الذي تحق له العبادة دون غيره .

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

وأمّا { إله الناس } فخاص لا شركة فيه ، فجعل غاية للبيان .

فإن قلت : فهلا اكتفى بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرّة واحدة ؟ قلت : لأنّ عطف البيان للبيان ، فكان مظنة للإظهار دون الإضمار .

التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :

فتأمل هذه الجلالة ، وهذه العظمة ، التي تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام ، وأحسن سياق : { رب الناس * ملك الناس * إله الناس } . وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان ، وتضمنت معاني أسمائه الحسنى . أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى : فإن الرب : هو القادر الخالق ، البارئ المصور ، الحي القيوم ، العليم السميع البصير ، المحسن المنعم ، الجواد المعطي ، المانع ، الضار النافع ، المقدم المؤخر ، الذي يضل من يشاء ، ويهدي من يشاء ، ويسعد من يشاء ، ويشقي من يشاء ، ويعز من يشاء ، ويذل من يشاء ، إلى غير ذلك من معاني ربوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء الحسنى . وأما الملك : فهو الآمر الناهي ، المعز المذل ، الذي يصرف أمور عباده كما يحب ، ويقلبهم كما يشاء ، وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى ، كالعزيز ، الجبار ، المتكبر ، الحكم ، العدل ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، العظيم ، الجليل ، الكبير ، الحسيب ، المجيد ، الوالي ، المتعالي ، مالك الملك ، المقسط ، الجامع ، إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك . وأما الإله : فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال . فيدخل في هذا الاسم جميع الأسماء الحسنى ، ولهذا كان القول الصحيح : أن «الله » أصله الإله . كما هو قول سيبويه وجمهور أصحابه ، إلا من شذ منهم ، وأن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى والصفات العلى . فقد تضمنت هذه الأسماء الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى ، فكان المستعيذ بها جديرا بأن يعاذ ويحفظ ، ويمنع من الوسواس الخناس ، ولا يسلط عليه . وأسرار كلام الله أجل وأعظم من أن تدركها عقول البشر ، وإنما غاية أولي العلم الاستدلال بما ظهر منها على ما وراءه ، وإن باديه إلى الخافي يسير . ...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ إله الناس } إشارة إلى أنه كما انفرد بربوبيتهم وملكهم لم يشركه في ذلك أحد ، فكذلك هو وحده إلههم لا يشركه في إلهيته أحد ....

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

والله رب كل شيء ، وملك كل شيء ، وإله كل شيء . ولكن تخصيص ذكر الناس هنا يجعلهم يحسون بالقربى في موقف العياذ والاحتماء . والله - برحمة منه - يوجه رسوله [ صلى الله عليه وسلم ] وأمته إلى العياذ به والالتجاء إليه ، مع استحضار معاني صفاته هذه ، من شر خفي الدبيب ، لا قبل لهم بدفعه إلا بعون من الرب الملك الإله . فهو يأخذهم من حيث لا يشعرون ، ويأتيهم من حيث لا يحتسبون . والوسوسة : الصوت الخفي . والخنوس : الاختباء والرجوع . والخناس هو الذي من طبعه كثرة الخنوس .