المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

47- وإن أهل الإيمان يعيشون في هذا النعيم طيبة نفوسهم ، فقد أخرجنا ما فيها من حقد ، فهم جميعاً يكونون إخوانا يجلسون علي أسِرَّةٍ تتقابل وجوههم بالبشر والمحبة ، ولا يتدابرون كل ينقب عما وراء الآخر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

{ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ } فتبقى قلوبهم سالمة من كل دغل{[455]}  وحسد متصافية متحابة { إخوانا على سرر متقابلين }

دل ذلك على تزاورهم واجتماعهم وحسن أدبهم فيما بينهم في كون كل منهم مقابلا للآخر لا مستدبرا له متكئين على تلك السرر المزينة بالفرش واللؤلؤ وأنواع الجواهر .


[455]:- في ب: غل.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

ثم بين - سبحانه - ما هم عليه في الجنة من صفاء نفسى ، ونقاء قلبى فقال : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } .

والنزع : القلع يقال : نزع فلان هذا الشىء من مكانه إذا قلعه منه ، وفعله من باب ضرب والغل : الحقد والضغينة ، وأصله من الغلالة ، وهى ما يلبس بين الثوبين : الشعار والدثار .

أو من الغلل وهو الماء المتخلل بين الأشجار . ويقال : غل صدر فلان يغل - بالكسر - غلا إذا كان ذا غش ، أو ضغن ، أو حقد .

والسرر : جمع سرير وهو المكان المهيأ لراحة الجالس عليه وإدخال السرور على قلبه .

أى : وقلعنا ما في صدور هؤلاء المتقين من ضغائن وعداوات كانت موجودة فيها في الدنيا ، وجعلناهم يدخلون الجنة إخوانًا متحابين متصافين ، ويجلسون متقابلين ، على سرر مهيأة لراحتهم ورفاهيتهم وإدخال السرور على نفوسهم .

وقوله : { إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } حال عن فاعل { ادخلوها } .

وعبر بقوله { متقابلين } لأن مقابلة الوجه للوجه أدخل في الإِيناس ، وأجمع للقلوب .

والآية الكريمة تشعر بأنهم في الجنة ينشئهم الله - تعالى - نشأة أخرى جديدة وتكون قلوبهم فيها خالية من كل ما كان يخالطهم في الدنيا من ضغائن وعداوات وأحقاد وأطماع وغير ذلك من الصفات الذميمة ، ويصلون بسبب هذه النشأة الجديدة إلى منتهى الرقى البشرى . . .

وقد ساق الإِمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية عددا من الأحاديث والآثار منها ما رواه القاسم عن أبى أمامة قال : يدخل أهل الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن ، حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غل ، ثم قرأ : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ .

ومنها : ما رواه أبو مالك الأشجعى عن أبي حبيبة - مولى لطلحة - قال : دخل عمران ابن طلحة على الإِمام على بن أبى طالب بعد ما فرغ من أصحاب الجمل ، فرحب على - رضى الله عنه - به ، وقال : إنى لأرجو أن يجعلنى الله وإياك من الذين قال الله فيهم : { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ . . . } .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الْمُتّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىَ سُرُرٍ مّتَقَابِلِينَ } .

يقول تعالى ذكره : إن الذين اتقوا الله بطاعته وخافوه ، فتجنبوا معاصيه في جَنّاتٍ وَعُيُونٍ يقال لهم : ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ من عقاب الله ، أو أن تُسلبوا نعمة الله عليكم وكرامة أكرمكم بها . قوله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ يقول : وأخرجنا ما في صدور هؤلاء المتقين الذين وصف صفتهم من حقد وضغينة بعضهم لبعض .

واختلف أهل التأويل في الحال التي ينزع الله ذلك من صدورهم ، فقال بعضهم : ينزل ذلك بعد دخولهم الجنة . ذكر من قال ذلك :

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو غسان ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن بشر البصري ، عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أُمامة ، قال : يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشحناء والضغائن ، حتى إذا توافوا وتقابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غلّ . ثم قرأ : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو فضالة ، عن لقمان ، عن أبي أمامة ، قال : لا يدخل مؤمن الجنة حتى ينزع الله ما في صدورهم من غلّ ، ثم ينزع منه السبع الضاري .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج بن المنهال ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن إسرائيل ، عن أبي موسى سمع الحسن البصري يقول : قال عليّ : فينا والله أهل بدر نزلت الاَية : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال : من عداوة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا محمد بن يزيد الواسطي ، عن جويبر ، عن الضحاك : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال : العداوة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن فضيل عن عطاء بن السائب ، عن رجل ، عن عليّ : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ قال : العداوة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، قال : جاء ابن جرموز قاتل الزبير يستأذن على عليّ ، فحجبه طويلاً ، ثم أذن له فقال له : أما أهل البلاء فتجفوهم قال عليّ : بفيك التراب إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير ممن قال الله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن جعفر ، عن عليّ نحوه .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبان بن عبد الله البجلي ، عن نعيم بن أبي هند ، عن ربْعِيّ بن حِرَاش ، بنحوه ، وزاد فيه : قال : فقام إلى عليّ رجل من هَمْدان ، فقال : الله أعدل من ذلك يا أمير المؤمنين قال : فصاح عليّ صيحة ظننت أن القصر تَدَهْدَهَ لها ، ثم قال : إذا لم نكن نحن فمن هم ؟

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أبو معاوية الضرير ، قال : حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن أبي حبيبة مولى لطلحة ، قال : دخل عمران بن طلحة على عليّ بعد ما فرغ من أصحاب الجمل ، فرحّب به وقال إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله : إخْوانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ ورجلان جالسان على ناحية البساط ، فقالا : الله أعدل من ذلك ، تقتلهم بالأمس وتكونون إخوانا ؟ فقال عليّ : قُومَا أبعد أرضها وأسحقها فمن هم إذن إن لم أكن أنا وطلحة ؟ وذكر لنا أبو معاوية الحديث بطوله .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا عبد الواحد ، قال : حدثنا أبو مالك ، قال : حدثنا أبو حبيبة ، قال : قال عليّ لابن طلحة : إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين نَزَعَ الله ما في صدورهم من غلّ ويجعلنا إخوانا على سرر متقابلين .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا حماد بن خالد الخياط ، عن أبي الجويرية ، قال : حدثنا معاوية بن إسحاق ، عن عمران بن طلحة ، قال : لما نظرني عليّ قال : مرحبا بابن أخي فذكر نحوه .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا هشام ، عن محمد ، قال : استأذن الأشتر على عليّ وعنده ابنٌ لطلحة ، فحبسه ثم أذن له ، فلما دخل قال : إني لأراك إنما حبستني لهذا قال : أجل . قال : إني لأراه لو كان عندك ابن لعثمان لحبستني قال : أجَل ، إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا إسحاق الأزرق ، قال : أخبرنا عوف ، عن سيرين ، بنحوه .

حدثنا الحسن ، قال : حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي ، قال : حدثنا السكن بن المغيرة ، قال : حدثنا معاوية ابن راشد ، قال : قال عليّ : إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : حدثنا ابن المتوكل الناجي ، أن أبا سعيد الخدريّ حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «يَخْلُصُ المُوءْمِنُونَ مِنَ النّارِ فَيُحْبَسُونَ على قَنْطَرَة بينَ الجَنّةِ والنّارِ ، فَيُقْتَصّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظالِمَ كانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدّنْيا حتى إذَا هُذّبُوا ونُقّوا أُذِنَ لَهُمْ في دُخُولِ الجَنّة » قالَ : «فَوَالّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بيَدِهِ ، لأَحَدُهُمْ أهْدَى بِمَنْزِلِهِ في الجَنّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ الّذِي كانَ فِي الدّنْيا » وقال بعضهم : ما يشبّه بهم إلا أهل جمعة انصرفوا من جمعتهم .

حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد بن أبي عروبة في هذه الاَية : وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلّ إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ قال : حدثنا قتادة أن أبا المتوكل الناجي حدثهم أن أبا سعيد الخدريّ حدثهم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه ، إلى قوله «وأذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الجَنّةِ » ثم جعل سائر الكلام عن قتادة . قال : وقال قتادة : فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدى بمنزله . ثم ذكر باقي الحديث نحو حديث بشر غير أن الكلام إلى آخره عن قتادة ، سوى أنه قال في حديثه : قال قتادة وقال بعضهم : ما يشبّه بهم إلا أهل الجمعة إذا انصرفوا من الجمعة .

حدثني نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : حدثنا عمر بن زرعة ، عن محمد بن إسماعيل الزبيدي ، عن كثير النواء ، قال سمعته يقول : دخلت على أبي جعفر محمد بن عليّ ، فقلت : وليي وليكم ، وسلمي سِلْمكم ، وعدوّي عدوّكم ، وحربي حربكم إني أسألك بالله ، أتبرأ من أبي بكر وعمر ؟ فقال : قد ضَلَلْتُ إذا وما أنا من المهتدين ، توّلهما يا كثير ، فما أدركك فهو في رقبتي ثم تلا هذه الاَية : إخْوَانا على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ يقول : إخوانا يقابل بعضهم وجه بعض ، لا يستدبره فينظر في قفاه .

وكذلك تأوّله أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، قال : حدثنا حصين ، عن مجاهد ، في قوله : على سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ قال : لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه .

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا يحيى وعبد الرحمن ومؤمل ، قالوا : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

والسرر : جمع سرير ، كما الجدد جمع جديد وجمع سررا وأظهر التضعيف فيها والراءان متحرّكتان لخفة الأسماء ، ولا تفعل ذلك في الأفعال لثقل الأفعال ، ولكنهم يُدْغمون في الفعل ليسكن أحد الحرفين فيخفف ، فإذا دخل على الفعل ما يسكن الثاني أظهروا حينئذٍ التضعيف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَنَزَعۡنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنۡ غِلٍّ إِخۡوَٰنًا عَلَىٰ سُرُرٖ مُّتَقَٰبِلِينَ} (47)

جملة ونزعنا ما في صدورهم من غل } عطف على الخبر ، وهو { في جنات وعيون } . والتقدير : إن المتقين نزعنا ما في صدورهم من غِلّ .

والغِلّ بكسر الغين البغض . وتقدم في قوله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار } في سورة الأعراف ( 43 ) ، أي ما كان بين بعضهم من غلّ في الدنيا .

و{ إخواناً } حال ، وهو على معنى التشبيه ، أي كالإخوان ، أي كحال الإخوان في الدنيا .

وأول من يدخل في هذا العموم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيما شجر بينهم من الحوادث الدافع إليها اختلاف الاجتهاد في إقامة مصالح المسلمين ، والشدة في إقامة الحق على حسب اجتهادهم . كما روي عن علي كرّم الله وجهه أنه قال : إني لأرجو من أن أكون أنا وطلحة ممن قال الله تعالى : { ونزعنا ما في صدورهم من غل إخواناً } . فقال جاهل من شيعة عليّ اسمه الحارث بن الأعور الهمذاني : كلا ، اللّهُ أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد . فقال عليّ : « فلمن هذه الآية لا أمّ لك بِفيك التراب » .

والسرر : جمع سرير . وهو محمل كالكرسي متّسع يمكن الاضطجاع عليه . والاتّكاء : مجلس أصحاب الدعة والرفاهية لتمكن الجالس عليه من التقلّب كيف شاء حتى إذا ملّ جِلسة انقلب لغيرها .

والتقابل : كون الواحد قبالة غيره ، وهو أدخل في التأنس بالرؤية والمحَادثة .