وقوله - سبحانه - { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا . . . } معطوف على قوله قبل ذلك : { متكئين }
و " ضلالها " فاعال " دانية " والضمير فى " ضلالها " يعود إلى الجنة .
أى : أن الأبرار فى الجنة جلسة الناعم البال ، المنشرح الصدر . وظلال الأشجار الجنة قريبة منهم ، ومحيطة بهم ، زيادة فى إكرامهم .
{ وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } أى : أنهم - فضلا عن ذلك - قد سخرت لهم ثمار الجنة تسخيرا ، وسهل الله - تعالى - لهم تناولها تسهيلا عظيما ، بحيث إن القاعد منهم والقائم والمضجع ، يستطيع أن يتناول هذه الثمار هذه الثمار اللذيذة بدون جهد أو تعب .
فقوله - تعالى - : { وَذُلِّلَتْ } من التذليل بمعنى الانقياد والتسخير ، يقال : ذُلّل الكرم - بضم الذال - إذا تدلت عناقيده وصارت فى متناول اليد . والقطوف : جمع قطف - بكسر القاف - وهو العنقود حين يُقْطَف أو الثمار المقطوفة .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً * وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مّن فِضّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } .
يعني تعالى ذكره بقوله : وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وقَرُبت منهم ظلال أشجارها .
ولنصب دانية أوجه : أحدها : العطف به على قوله مُتّكِئيِن فِيها . والثاني : العطف به على موضع قوله لا يَرَوْنَ فِيها شَمْسا لأن موضعه نصب ، وذلك أن معناه : متكئين فيها الأرائك ، غير رائين فيها شمسا . والثالث : نصبه على المدح ، كأنه قيل : متكئين فيها على الأرائك ، ودانية بعد عليهم ظلالها ، كما يقال : عند فلان جارية جميلة ، وشابة بعد طرية ، تضمر مع هذه الواو فعلاً ناصبا للشابة ، إذا أريد به المدح ، ولم يُرَد به النّسَق وأُنّثَتْ دانيةً لأن الظلال جمع . وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله بالتذكير : «وَدَانِيا عَلَيْهِمْ ظِلالُها » وإنما ذكر لأنه فعل متقدّم ، وهي في قراءة فيما بلغني : «وَدَانٍ » رفع على الاستئناف .
وقوله : وَذُلّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً يقول : وذُلّل لهم اجتناء ثمر شجرها ، كيف شاؤوا قعودا وقياما ومتكئين . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : وَذُلّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً قال : إذا قام ارتفعت بقدره ، وإن قعد تدلّت حتى ينالها ، وإن اضطجع تدلّت حتى ينالها ، فذلك تذليلها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذلّلَتْ قْطُوفُها تَذْلِيلاً قال : لا يردّ أيديَهم عنها بُعد ولا شوك .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : قُطُوفُها دَانِيَةٌ قال : الدانية : التي قد دنت عليهم ثمارها .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان وَذُلّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً قال : يتناوله كيف شاء جالسا ومتكئا .
{ ودانية عليهم ظلالها } انتصب { دانية } عطفاً على { متكئين } لأن هذا حال سببي من أحوال المتكئين ، أي ظلال شجر الجنة قريبَة منهم . و { ظلالها } فاعل { دانية } وضمير { ظلالها } عائد إلى { جنة } .
ودنو الظلال : قربها منهم وإذ لم يعهد وصف الظل بالقرب يظهر أن دنوّ الظلال كناية عن تدلّي الأدواح التي من شأنها أن تظلل الجنات في معتاد الدنيا ولكن الجنة لا شمس فيها فيستظلَّ من حرّها ، فتعين أن تركيب { دانيةً عليهم ظلالُها } مثَل يطلق على تدلِّي أفنان الجنة لأن الظل المظلل للشخص لا يتفاوت بدنوّ ولا بعد ، وقد يكون { ظلالها } مجازاً مرسلاً عن الأفنان بعلاقة اللزوم .
والمعنى : أن أدواح الجنة قريبة من مجالسهم وذلك مما يزيدها بهجة وحسناً وهو في معنى قوله تعالى : { قُطُوفها دانية } [ الحاقة : 23 ] .
ولذلك عطف عليه جملة { وذُلّلت قطوفها تذليلاً } . أي سخرت لهم قطوف تلك الأدواح وسهلت لهم بحيث لا التواء فيها ولا صلابة تتعب قاطفها ولا يتمطَّون إليها بل يجتنونها بأسهلِ تناول .
فاستعير التذليل للتيسير كما يقال : فرس ذَلول : أي مِطواع لراكبه ، وبقرة ذَلول ، أي ممرنة على العمل ، وتقدم في سورة البقرة .
والقُطوف : جمع قِطف بكسر القاف وسكون الطاء ، وهو العنقود من التمر أو العنب ، سمّي قِطفاً بصيغة من صيغ المفعول مثل ذِبح ، لأنه يقصد قَطفه فإطلاق القطف عليه مجاز باعتبار المآل شاع في الكلام . وضمير { قطوفها } عائد إلى { جنة } أو إلى { ظلالها } باعتبار الظلال كناية عن الأشجار .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.