الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَدَانِيَةً عَلَيۡهِمۡ ظِلَٰلُهَا وَذُلِّلَتۡ قُطُوفُهَا تَذۡلِيلٗا} (14)

فإن قلت : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظلالها } علام عطفت ؟ قلت : على الجملة التي قبلها ؛ لأنها في موضع الحال من المجزيين ؛ وهذه حال مثلها عنهم لرجوع الضمير منها إليهم في عليهم ، إلا أنها اسم مفرد ، وتلك جملة في حكم مفرد تقديره : غير رائين فيها شمساً ولا زمهريراً ، ودانية عليهم ظلالها ؛ ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين مجتمعان لهم ، كأنه قيل : وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحرّ والقرّ ودنوّ الظلال عليهم وقرئ «ودانية » بالرفع ، على أن ظلالها مبتدأ ، ودانية خبر ، والجملة في موضع الحال ؛ والمعنى : لا يرون فيها شمساً ولا زمهريراً ، والحال أن ظلالها دانية عليهم ؛ ويجوز أن تجعل { مُتَّكِئِينَ } و { لاَ يَرَوْنَ } و { ودَانِيَةً } كلها صفات لجنة .

ويجوز أن يكون { وَدَانِيَةً } معطوفة على جنة ، أي : وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها ، على أنها وعدوا جنتين ، كقوله { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ } [ الرحمن : 46 ] ، لأنهم وصفوا بالخوف : { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبّنَا } [ الإنسان : 10 ] ،

فإن قلت : فعلام عطف { وَذُلِّلَتْ } ؟ قلت : هي - إذا رفعت { وَدَانِيَةً } - جملة فعلية معطوفة على جملة ابتدائية ، وإذا نصبتها على الحال ، فهي حال من دانية ، أي : تدنو ظلالها عليهم في حال تذليل قطوفها لهم . أو معطوفة عليها على : ودانية عليهم ظلالها ، ومذللة قطوفها ؛ وإذا نصبت { وَدَانِيَةً } على الوصف ، فهي صفة مثلها ؛ ألا ترى أنك لو قلت : جنة ذللت قطوفها : كان صحيحاً ؛ وتذليل القطوف : أن تجعل ذللا لا تمتنع على قطافها كيف شاءوا . أو تجعل ذليلة لهم خاضعة متقاصرة ، من قولهم : حائط ذليل إذا كان قصيراً .