مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَدَانِيَةً عَلَيۡهِمۡ ظِلَٰلُهَا وَذُلِّلَتۡ قُطُوفُهَا تَذۡلِيلٗا} (14)

والثالث : كونه بستانا نزها ، فوصفه الله تعالى بقوله : { ودانية عليهم ظلالها } وفي الآية سؤالان ( الأول ) : ما السبب في نصب { ودانية } ؟ ( الجواب ) : ذكر الأخفش والكسائي والفراء والزجاج فيه وجهين ( أحدهما ) : الحال بالعطف على قوله : { متكئين } كما تقول في الدار : عبد الله متكئا ومرسلة عليه الحجال ، لأنه حيث قال : عليهم رجع إلى ذكرهم ( والثاني ) : الحال بالعطف على محل : { لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا } والتقدير غير رائين فيها شمسا ولا زمهريرا { ودانية عليهم ظلالها } ودخلت الواو للدلالة على أن الأمرين يجتمعان لهم ، كأنه قيل : وجزاهم جنة جامعين فيها بين البعد عن الحر والبرد ، ودنو الظلال عليهم ( والثالث ) : أن يكون دانية نعتا للجنة ، والمعنى : وجزاهم جنة دانية ، وعلى هذا الجواب تكون دانية صفة لموصوف محذوف ، كأنه قيل : وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ، وجنة أخرى دانية عليهم ظلالها ، وذلك لأنهم وعدوا جنتين ، وذلك لأنهم خافوا بدليل قوله : { إنا نخاف من ربنا } وكل من خاف فله جنتان ، بدليل قوله : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } وقرئ : { ودانية } بالرفع على أن { ظلالها } مبتدأ { ودانية } خبر ، والجملة في موضع الحال ، والمعنى : { لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا } والحال أن ظلالها دانية عليهم .

السؤال الثاني : الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس ، فإن كان لا شمس في الجنة فكيف يحصل الظل هناك ؟ ( والجواب ) : أن المراد أن أشجار الجنة تكون بحيث لو كان هناك شمس لكانت تلك الأشجار مظلله منها .

قوله تعالى : { وذللت قطوفها تذليلا } ذكروا في ذللت وجهين ( الأول ) : قال ابن قتيبة : ذللت أدنيت منهم من قولهم : حائط ذليل إذا كان قصير السمك ( والثاني ) : ظللت أي جعلت منقادة ولا تمتنع على قطافها كيف شاءوا . قال البراء بن عازب : ذللت لهم فهم يتناولون منها كيف شاءوا ، فمن أكل قائما لم يؤذه ومن أكل جالسا لم يؤذه ومن أكل مضطجعا لم يؤذه .