المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَدَانِيَةً عَلَيۡهِمۡ ظِلَٰلُهَا وَذُلِّلَتۡ قُطُوفُهَا تَذۡلِيلٗا} (14)

اختلف النحويون في إعراب قوله تعالى : { ودانية } ، فقال الزجاج وغيره : هو حال عطفاً على { متكئين } [ الإنسان : 13 ] وقال أيضاً : ويجوز أن يكون صفة للجنة ، فالمعنى وجزاهم جنة دانية{[11517]} ، وقرأ جمهور الناس «دانية » وقرأ الأعمش «ودانياً عليهم » وقرأ أبو جعفر «ودانيةٌ » بالرفع وقرأ أبيّ بن كعب «ودانٍ » مفرد مرفوع في الإعراب ، ودنوا الظلال بتوسط أنعم لها ، لأن الشيء المظل إذا بعد فترة ظله لا سيما من الأشجار والتذليل أن تطيب الثمرة فتتدلى وتنعكس نحو الأرض ، و «التذليل » في الجنة هو بحسب إرادة ساكنيها ، قال قتادة ومجاهد وسفيان : إن كان الإنسان قائماً تناول الثمر دون كلفة وإن كان قاعداً فكذلك ، وإن كان مضطجعاً فكذلك . فهذا تذليلها لا يرد عنها بعد ولا شوك . ومن اللفظة قول امرىء القيس : [ الطويل ]

كأنبوب السقي المذلل{[11518]}*** ومنه قول الأنصاري : والنخل قد ذللت فهي مطوقة بثمرها . و { القطوف } : جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب ونحوه . والعنب ونحوه .


[11517]:معنى ذلك أنها صفة لموصوف محذوف تقديره: جنة، وقيل: انتصبت [دانية] على المدح، أما رفع [دان] في قراءة أبي فهو على الاستئناف.
[11518]:البيت بتمامه: وكشح لطيف كالجديل مخضر وساق كأنبوب السقي المذلل والكشح هو الخصر، ولطيف: رقيق، والجديل: خطام يتخذ من الجلد، والمخصر: الدقيق الوسط، والأنبوب: ما بين العقدتين من القصب من كل نبات مجوف، والسقي: النخل المروي، والمذلل: الذي كثر ماؤه فأصبح لينا يطاوع كل من يتناوله، وذلك أنهم كانوا في أيام الثمر يلحون على النخل بالسقي فهو حينئذ "سقي" و "مذلل" يقول: إن خصرها رقيق لين كأنه الزمام الرقيق، وإن ساقها متألق طري ريان يحكي في صفاء لونه النبات الذي كثر ماؤه فلان.