السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَدَانِيَةً عَلَيۡهِمۡ ظِلَٰلُهَا وَذُلِّلَتۡ قُطُوفُهَا تَذۡلِيلٗا} (14)

{ ودانية } أي : قريبة مع الارتفاع { عليهم ظلالها } أي : شجرها من غير أن يحصل منها ما يزيل الاعتدال . واختلف في نصب دانية ، فقال البغوي : عطف على متكئين . وقال الجلال المحلي : عطف على محل لا يرون وذكره البغوي بعد الأوّل بصيغة قيل ، قال البيضاوي : أو عطف على جنة أي : وجنة أخرى دانية لأنهم وعدوا جنتين لقوله تعالى : { ولمن خاف مقام ربه جنتان } [ الرحمن : 46 ] . فإن قيل : إن الظل إنما يوجد حيث توجد الشمس ، والجنة لا شمس فيها فكيف يحصل الظل ؟ أجيب : بأنّ أشجار الجنة تكون بحيث لو كان هناك شمس لكانت تلك الأشجار مظلة منها ، وإن كان لا شمس ولا قمر كما أن أمشاطهم الذهب والفضة وإن كان لا وسخ ولا شعث .

{ وذللت قطوفها } جمع قطف بالكسر وهو العنقود واسم للثمار المقطوفة أي : المجنية { تذليلاً } أي : سهل تناولها تسهيلاً عظيماً لا يردّ اليد عنها بعد ولا شوك لكل من يريد أخذها على أي حالة كانت من اتكاء وغيره ، فإن كانوا قعوداً أو مضطجعين تدلت إليهم ، وإن كانوا قياماً وكانت على الأرض ارتفعت إليهم ، وقال البراء : ذللت لهم فهم يتناولون منها كيف شاؤوا ، فمن أكل قائماً لم يؤذه ومن أكل جالساً لم يؤذه ومن أكل مضطجعاً لم يؤذه ، وهذا جزاؤهم على ما كانوا يذللون أنفسهم لأمر الله تعالى .