المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

84- ولقد أرسلنا إلى قوم مدين{[96]} أخاهم في النسب والمودة والتراحم شُعيبا ، قال لهم : يا قوم اعبدوا الله - وحده - ليس لكم من يستحق العبادة غيره ، ولا تنقصوا المكيال والميزان حين تبيعون لغيركم ما يُكال ويُوزن ، إني أراكم يرجى منكم الخير ، بالشكر والطاعة لله ، وإعطاء الناس حقوقهم كاملة ، وإني أخاف عليكم إذا لم تشكروا خيره وتطيعوا أمره ، أن يحل بكم عذاب يوم لا تستطيعون أن تفلتوا من أهواله ، لأنها تحيط بالمعذبين فيها فلا يجدون سبيلا إلى الخلاص منها .


[96]:هاتان الآيتان نص على اعتبار نقص المكيال والميزان جريمة، وهذا يقتضي أنها معاقب عليها شرعا، والعقاب بالتعزير، ويقابل هذا في التشريعات الوضعية ما يسمى جريمة تزوير المكيال أو الميزان التي حدد القانون الوضعي عقوبة لها، وهذا من القرآن الكريم وسيلة من وسائل حماية المال. أرض مدين واقعة بين شمال الحجاز وجنوب الشام، وكان فيها مكان كثيف الأشجار يسمى الأيكة، وقد أرسل اله عليهم عقابا شديدا بسبب عصيانهم.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

{ 84 - 95 } { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا }

إلى آخر القصة{[435]}  أي : { و ْ } أرسلنا { إِلَى مَدْيَنَ ْ } القبيلة المعروفة ، الذين يسكنون مدين في أدنى فلسطين ، { أَخَاهُمْْ } في النسب { شُعَيْبًا ْ } لأنهم يعرفونه ، وليتمكنوا من الأخذ عنه .

ف { قَالَ ْ } لهم { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ْ } أي : أخلصوا له العبادة ، فإنهم كانوا يشركون به ، وكانوا - مع شركهم - يبخسون المكيال والميزان ، ولهذا نهاهم عن ذلك فقال : { وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ْ } بل أوفوا الكيل والميزان بالقسط .

{ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ ْ } أي : بنعمة كثيرة ، وصحة ، وكثرة أموال وبنين ، فاشكروا الله على ما أعطاكم ، ولا تكفروا بنعمة الله ، فيزيلها عنكم .

{ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ ْ } أي : عذابا يحيط بكم ، ولا يبقي منكم باقية .


[435]:- في ب: أكمل الآيات إلى قوله تعالى: " ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود ".
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

ثم انتقلت السورة الكريمة بعد ذلك فقصت علينا ما كان بين شعيب - عليه السلام - وقومه وكيف أنه دعاهم إلى عبادة الله - تعالى - وحده بأسلوب بليغ حكيم ، ولكنهم لم يستجيبوا له ، فكانت عاقبتهم الهلاك كالذين من قبلهم قال - تعالى - :

{ وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . . . }

تلك هى قصة شعيب - عليه السلام - كما حكتها هذه السورة الكريمة ، وقد وردت هذه القصة فى سور أخرى منها : سورتى الأعراف والشعراء . .

ومدين اسم للقبيلة التى تنتسب إلى مدين بن إبراهيم - عليه السلام - .

وكانوا يسكنون فى المنطقة التى تسمى ( معان ) وتقع بين حدود الحجاز والشام .

وأهل مدين يسمون أيضاً بأصحاب الأيكة .

والأيكة : منطقة مليئة بالشجر كانت مجاورة لقرية ( معان ) ، وكان يسكنها بعض الناس فأرسل الله شعيباً إليهم جميعاً .

وشعيب هو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم ، فهو أخوهم فى النسب .

وكان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر شعيب قال : " ذلك خطيب الأنبياء " لحسن مراجعته لقومه ، وقوة حجته .

وكان قومه يعبدون الأصنام . ويطففون فى الكيل والميزان . . . فدعاهم إلى عبادة الله وحده ، ونهاهم عن الخيانة وسوء الأخلاق .

ويرى بعض العلماء : أن شعيباً أرسل إلى أمتين : أهل مدين الذين أهلكوا بالصيحة ؛ وأصحاب الأيكة الذين أخذهم الله بعذاب يوم الظلة ، وأن الله - تعالى - لم يبعث نبياً مرتين سوى شعيب - عليه السلام - .

ولكن المحققين من العلماء اختاروا أنهما أمة واحدة ، فأهل مدين هم أصحاب الأيكة ، أخذتهم الرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة - أى السحابة - وأن كل عذاب كان كالمقدمة للآخر .

هذا ، وقوله - سبحانه - { وإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً . . . } معطوف على ما سبقه من قصة صالح - عليه السلام - عطف القصة على القصة .

أى : وكما أرسلنا صالحاً - عليه السلام - إلى ثمود ، فقد أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم شعيباً - عليه السلام - فقال لهم مقالة كل نبى لقومه : يا قوم اعبدوا الله وحده ، فإنكم لا إله لكم على الحقيقة سواه ، فهو الذى خلقكم ، وهو الذى رزقكم ، وهو الذى إليه مرجعكم . . .

ثم بعد أن أمرهم بإخلاص العبادة لله ، نهاهم عن التطفيف فى الكيل والميزان فقال : { وَلاَ تَنقُصُواْ المكيال والميزان }

والمكيال والميزان : اسمان للآلة التى يكال بها ويوزن .

ونقص الكيل والميزان يكون من وجهين : أحدهما أن يكون الاستنقاص من جهتهم إذا باعوا لغيرهم .

وثانيهما : أن يكون الاستنقاص من جهة غيرهم إذا اشتروا منه ، بأن يأخذوا منه أكثر من حقهم .

فكأنه - عليه السلام - يقول لهم : لا تنقصوا المكيال والميزان لا عند الأخذ ولا عند الإعطاء ، فلا تعطوا غيركم أقل من حقه إذا بعتم ، ولا تأخذوا منه أكثر من حقكم إذا اشتريتم .

وإلى هذين الأمرين أشار قوله - تعالى - { وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ . الذين إِذَا اكتالوا عَلَى الناس يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ . . . } ثم بين لهم الأسباب التى دعته إلى أمرهم ونهيهم فقال : { إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ } .

والخير : كلمة جامعة لكل ما يرضى الإِنسان ويغنيه ويسره .

ومحيط : أى شامل بحيث لا يستطيع أحد الإِفلات منه . كما يحيط الظرف بالمظروف . . .

أى : أخلصوا لله عبادتكم ، والتزموا العدل فى معاملاتكم ، فإنى أراكم تملكون الوفير من المال ، وتعيشون فى رغد من العيش ، وفى بسطة من الرزق ، ومن كان كذلك فمن الواجب عليه أن يقابل هذه النعم بالشكر لواهبها وهو الله - تعالى - وأن يستعملها استعمالاً يرضيه ، وأن يعطى كل ذى حق حقه .

وإنى - أيضاً - أخاف عليكم إذا ما تماديتم فى مخالففة ما آمركم به وما أنهاكم عنه ، عذاب يوم أهواله وآلامه شاملة لكل ظالم ، بحيث لا يستطيع أن يهرب منها . . .

قال الشوكانى : وصف - سبحانه - اليوم بالإِحاطة ، والمراد العذاب لأن العذاب واقع فى اليوم ، ومعنى إحاطة عذاب اليوم بهم ، أنهم لا يشذ منهم أحد عنه ، ولا يجدون منه ملجأ ولا مهربا .

فأنت ترى أن شعيباً - عليه السلام - بعد أن أمرهم بما يصلح عقيدتهم ونهاهم عما يفسد معاملاتهم وأخلاقهم . . ذكرهم بما هم فيه من نعمة وغنى قطعاً لعذرهم حتى لا يقولوا له نحن فى حاجة إلى تطفيف المكيال والميزان لفقرنا ، ثم أخبرهم بأنه ما حمله على هذا النصح لهم إلا خوفه عليهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَقَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُمْ مّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنّيَ أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مّحِيطٍ } .

يقول تعالى ذكره : وَ أرسلنا إلى ولد مَدْيَنَ أخاهُمْ شُعَيْبا ، فلما أتاهم ، قالَ : { يا قَوْمِ اعْبُدوا اللّهَ ما لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غيرُهُ } . يقول : أطيعوه ، وتَذَللّوا له بالطاعة لما أمركم به ونهاكم عنه ، ما لَكُمْ مِنْ إلهٍ غَيْرُهُ . يقول : ما لكم من معبود سواه يستحق عليكم العبادة غيره . { وَلا تَنْقصُوا المِكْيالَ والمِيزانَ } . يقول : ولا تنقصوا الناس حقوقهم في مكيالكم وميزانكم ، إنّي أرَاكمْ بِخَيْرٍ .

واختلف أهل التأويل في الخير الذي أخبر الله عن شعيب أنه قال لمدين : إنه يراهم به ؛ فقال بعضهم : كان ذلك رُخْص السعر وحذرهم غَلاءه . ذكر من قال ذلك :

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : حدثنا عبد الله بن داود الواسطي ، قال : حدثنا محمد بن موسى ، عن الذيال بن عمرو ، عن ابن عباس : إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ ، قال : رُخْص السعر . { وإنّي أخافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ } ، قال : غلاء سعر .

حدثني أحمد بن عليّ النصري ، قال : ثني عبد الصمد بن عبد الوراث ، قال : حدثنا صالح بن رستم ، عن الحسن ، وذكر قوم شعيب ، قال : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ } ، قال : رُخْص السعر .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، عن أبي عامر الخراز ، عن الحسن ، في قوله : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ } ، قال : الغنى ورُخْص السعر .

وقال آخرون : عنى بذلك : إني أرى لكم مالاً وزينة من زين الدنيا . ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْر } ، قال : يعني : خير الدنيا وزينتها .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ } : أبصر عليهم قِشْرا من قِشْر الدنيا وزينتها .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ } ، قال : في دنياكم ، كما قال الله تعالى : إنْ تَرَكَ خَيْرا سماه خيرا ؛ لأن الناس يسمون الماء خيرا .

وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه ، وذلك قوله : { إنّي أرَاكُمْ بِخَيْرٍ } ، يعني : بخير الدنيا . وقد يدخل في خير الدنيا : المال وزينة الحياة الدنيا ورخص السعر ، ولا دلالة على أنه عنى بقيله ذلك : بعض خيرات الدنيا دون بعض ، فذلك على كلّ معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها . وإنما قال ذلك شعيب ، لأن قومه كانوا في سعة من عيشهم ورخص من أسعارهم كثيرة أموالهم ، فقال لهم : لا تنقصوا الناس حقوقهم في مكاييلكم وموازينكم ، فقد وسّع الله عليكم رزقكم ، وَإنّي أخافُ عَليكُم بمخالفتكم أمر الله وبخسكم الناس أموالهم في مكاييلكم وموازينكم عذابَ يومٍ مُحيطٍ . يقول : أن ينزل بكم عذاب يوم محيط بكم عذابه . فجعل المحيط نعتا لليوم ، وهو من نعت العذاب ، إذ كان مفهوما معناه ، وكان العذاب في اليوم ، فصار كقولهم جُبّتك محترقة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

{ وإلى مدين أخاهم شعيبا } أراد أولاد مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، أو أهل مدين وهو بلد بناه فسمي باسمه . { قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان } أمرهم بالتوحيد أولا فإنه ملاك الأمر ثم نهاهم عما اعتادوه من البخس المنافي للعدل المخل بحكمة التعاوض . { إني أراكم بخير } بسعة تغنيكم عن البخس ، أو بنعمة حقها أن تتفضلوا على الناس شكرا عليها لا أن تنقصوا حقوقهم ، أو بسعة فلا تزيلوها مما أنتم عليه وهو في الجملة علة للنهي . { وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط } لا يشذ منه أحد منكم . ومقيل عذاب مهلك من قوله : { وأحيط بثمره } . والمراد عذاب يوم القيامة أو عذاب الاستئصال ، ووصف اليوم بالإحاطة وهي صفة العذاب لاشتماله عليه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

التقدير : { وإلى مدين } أرسلنا { أخاهم شعيباً } ، واختلف في لفظة { مدين } فقيل : هي بقعة ، فالتقدير على هذا : وإلى أهل مدين - كما قال : { واسأل القرية }{[6466]} - وقيل كان هذا القطر في ناحية الشام ، وقيل { مدين } اسم رجل كانت القبيلة من ولده فسميت باسمه ، و { مدين } لا ينصرف في الوجهين ، حكى النقاش أن { مدين } هو ولد إبراهيم الخليل لصلبه .

قال القاضي أبو محمد : وهذا بعيد وقد قيل : إن { شعيباً } عربي ، فكيف يجتمع هذا وليس للعرب اتصال بإبراهيم إلا من جهة إسماعيل فقط ، ودعاء «شعيب » إلى «عبادة الله » يقتضي أنهم كانوا يعبدون الأوثان ، وذلك بين من قولهم فيما بعد ، وكفرهم هو الذي استوجبوا به العذاب لا معاصيهم ، فإن الله لم يعذب قط أمة إلا بالكفر ، فإن انضافت إلى ذلك معصية كانت تابعة ، وأعني بالعذاب عذاب الاستئصال العام ، وكانت معصية هذه الأمة الشنيعة أنهم كانوا تواطأوا أن يأخذوا ممن يرد عليهم من غيرهم وافياً ويعطوا ناقصاً في وزنهم وكيلهم ، فنهاهم شعيب بوحي الله تعالى عن ذلك ، ويظهر من كتاب الزجاج أنهم كانوا تراضوا بينهم بأن يبخس بعضهم بعضاً .

وقوله { بخير } قال ابن عباس : معناه في رخص من الأسعار ، و { عذاب اليوم المحيط } هو حلول الغلاء المهلك . وينظر هذا التأويل إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : «ما نقص قوم المكيال والميزان إلا ارتفع عنهم الرزق »{[6467]} وقيل لهم قوله : { بخير } عام في جميع نعم الله تعالى ، و { عذاب اليوم } هو الهلاك الذي حل بهم في آخر ، وجميع ما قيل في لفظ «خير » منحصر فيما قلناه .

ووصف «اليوم » ب «الإحاطة » وهي من صفة العذاب على جهة التجوز إذ كان العذاب في اليوم : وقد يصح أن يوصف «اليوم » ب «الإحاطة » على تقدير : محيط شره . ونحو هذا .


[6466]:- من الآية (82) من سورة (يوسف).
[6467]:- رواه في الموطأ، ولفظه فيه: (ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قُطع عنهم الرزق).
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{۞وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ وَلَا تَنقُصُواْ ٱلۡمِكۡيَالَ وَٱلۡمِيزَانَۖ إِنِّيٓ أَرَىٰكُم بِخَيۡرٖ وَإِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٖ مُّحِيطٖ} (84)

قوله : { وإلى مدين أخاهم شعيباً } إلى قوله { من إله غيره } نظير قوله : { وإلى ثمود أخاهم صالحاً } [ هود : 61 ] الخ .

أمرهم بثلاثة أمور :

أحدها : إصلاح الاعتقاد ، وهو من إصلاح العقول والفكر .

وثالثها : صلاح الأعمال والتصرفات في العالم بأن لا يفسدوا في الأرض .

ووسط بينهما الثاني : وهو شيء من صلاح العمل خص بالنهي لأنّ إقدامهم عليه كان فاشياً فيهم حتّى نسوا ما فيه من قبح وفساد ، وهذا هو الكف عن نقص المكيال والميزان .

فابتدأ بالأمر بالتوحيد لأنه أصل الصلاح ثم أعقبه بالنهي عن مظلمة كانت متفشية فيهم ، وهي خيانة المكيال والميزان . وقد تقدّم ذلك في سورة الأعراف . وهي مفسدة عظيمة لأنها تجمع خصلتي السرقة والغدْر ، لأن المكتال مسترسل مستسلم . ونهاهم عن الإفساد في الأرض وعن نقص المكيَال والميزان فعزّزه بالأمر بضده وهو إيفاؤهما .

وجملة { إني أراكم بخير } تعليل للنهي عن نقص المكيال والميزان . والمقصود من { إني أراكم بخير } أنكم بخير . وإنما ذكر رؤيته ذلك لأنها في معنى الشهادة عليهم بنعمة الله عليهم فحقّ عليهم شكرها . والباء في { بخير } للملابسة .

والخير : حسن الحالة . ويطلق على المال كقوله : { إن ترك خيراً } [ البقرة : 180 ] . والأوْلى حمله عليه هنا ليكون أدخل في تعليل النهي ، أي أنكم في غنى عن هذا التطفيف بما أوتيتم من النعمة والثروة . وهذا التعليل يقتضي قبْح ما يرتكبونه من التطفيف في نظر أهل المروءة ويقطع منهم العذر في ارتكابه . وهذا حثّ على وسيلة بقاء النعمة .

ثم ارتقى في تعليل النهي بأنه يخاف عليهم عذاباً يحل بهم إمّا يوم القيامة وإما في الدنيا . ولصلوحيته للأمرين أجمله بقوله : { عذاب يوم محيط } . وهذا تحذير من عواقب كفران النعمة وعصيان وَاهِبِهَا .

و { محيط } وصف ل { يوم } على وجه المجاز العقلي ، أي محيط عذابه ، والقرينة هي إضافة العذاب إليه .