المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

2- هو الذي بدأ خلقكم من طين{[59]} ، ثم قدر لحياة كل منكم زمناً ينتهي بموته والأجل عنده - وحده - المحدد للبعث من القبور . ثم إنكم - أيها الكافرون - بعد هذا تجادلون في قدرة الله على البعث ، واستحقاقه - وحده - للعبادة .


[59]:تصلح هذه الآية لأن تكون المراد منها خلق آدم أبي البشر من طين كما جاء في آيات أخرى وأن يكون المراد منها أن جسم الإنسان مكون بنسب خاصة من عناصر الطين نفسه ولكن قدرة الخالق سبحانه وتعالى خلقت في هذه العناصر الحياة فصارت بشرا سويا.
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ } وذلك بخلق مادتكم وأبيكم آدم عليه السلام . { ثُمَّ قَضَى أَجَلًا } أي : ضرب لمدة إقامتكم في هذه الدار أجلا ، تتمتعون به وتمتحنون ، وتبتلون بما يرسل إليكم به رسله . { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } ويعمركم ما يتذكر فيه من تذكر . { وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ } وهي : الدار الآخرة ، التي ينتقل العباد إليها من هذه الدار ، فيجازيهم بأعمالهم من خير وشر .

{ ثُمَّ } مع هذا البيان التام وقطع الحجة { أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ } أي : تشكون في وعد الله ووعيده ، ووقوع الجزاء يوم القيامة .

وذكر الله الظلمات بالجمع ، لكثرة موادها وتنوع طرقها . ووحد النور لكون الصراط الموصلة إلى الله واحدة لا تعدد فيها ، ، وهي : الصراط المتضمنة للعلم بالحق والعمل به ، كما قال تعالى : { وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

ثم ساق القرآن فى الآية الثانية دليلا آخر على أن الله - تعالى - هو المستحق للعبادة والحمد ، وعلى أن يوم القيامة حق ، فتحدث عن أصل خلق الإنسان ، بعد أن تحدث فى الآية الأولى عن خلق السموات والأرض فقال :

{ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } .

أى : هو الذى أنشأكم من طين ، ثم تعهدكم برعايته فى مراحل خلقكم بعد ذلك ، كما قال - تعالى - : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المضغة عِظَاماً فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلك لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القيامة تُبْعَثُونَ } وفى ذكر خلق الإنسان من طين ، دليل على قدرة الله وعظمته ، لأنه - سبحانه - هو الذى حول هذا الطين إلى بشر سوى مفكر ، يختار الخير فيهتدى ويختار الشر فيردى ، كما أن فيه تذكيراً له بأصله حتى لا يستكبر أو يطغى ، وحتى يوقن بأن من خلقه من هذا الأصل قادر على أن يعيده إليه .

قال تعالى : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أخرى } قال أبو السعود : ( وتخصيص خلقهم بالذكر من بين سائر دلائل صحة البعث ، مع أن ما ذكر من خلق السموات والأرض من أوضحها وأظهرها . لما أن محل النزاع بعثهم ، فدلالة بدء خلقهم على ذلك أظهر ، وهم بشئون أنفسهم أعرف ، والتعامى عن الحجة البينة أقبح ) .

وقال الجمل : ( وإنما نسب هذا الخلق إلى المخاطبين لا إلى آدم - عليه السلام - وهو المخلوق منه حقيقة . لتوضيح منهاج القياس ، والمبالغة فى إزاحة الاشتباه والالتباس ، مع ما فيه من تحقيق الحق ، والتنبيه على حكمة خفية هى أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشائه - عليه السلام - منه . حيث لم تكن فطرته البديعة مقصورة على نفسه ، بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر آحاد البشر انطواء إجماليا ، فكان خلقه - عليه السلام - من طين خلقا لكل أحد من فروعه ) .

ثم قال - تعالى - { ثُمَّ قضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ } . الأجل فى اللغة عبارة عن الوقت المضروب لانقضاء الأمد ، وأجل الإنسان هو الوقت المضروب لانتهاء عمره . والمعنى : أنه سبحانه - قدر لعباده أجلين : أجلا تنتهى عنده حياتهم بعد أن عاشوا زمنا معينا ، وأجلا آخر يمتد من وقت موتهم إلى أن يبعثهم الله من قبورهم عند انتهاء عمر الدنيا ليحاسبهم على أعمالهم ، هذا هو الرأى الأول فى معنى الأجلين .

وقيل : المراد من الأجل الأول آجال الماضين من الخلق ، ومن الثانى آجال الباقين منهم . وقيل المراد من الأول النوم ومن الثانى الموت . وقيل : المراد من الأول ما مضى من عمر الإنسان ومن الثانى ما بقى منه .

والذى نرجحه هو الرأى الأول لأسباب منها .

1 - أن من تتبع ذكر الأجل المسمى فى القرىن فى سياق الكلام عن الناس يراه قد ورد فى عمر الإنسان الذى ينتهى بالموت ، ومن ذلك قوله

{ وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مسمى فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } وقوله - تعالى - : { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } 2 - أن الآية الكريمة مسوقة لإثبات وحدانية الله ولتقرير أن البعث حق ، فالمناسب أن يكون المراد بالأجل الثانى هو انتهاء عمر الدنيا وبعث الناس من قبورهم .

ولذا قال أبو السعود فى تضعيفه للآراء المخالفة للرأى الأول : " ومن ها هنا تبين أن ما قيل من أن الأجل الأول هو النوم والثانى هو الموت ، أو أن الأول أجل الماضين والثانى أجل الباقين ، أو أن الأول مقدار ما مضى من عمر كل أحد والثانى مقدار ما بقى منه ؛ مما لا وجه له أصلا ، لما رأيت من أن مساق النظم الكريم استبعاد امترائهم فى البعث الذى عبر عن وقته بالأجل المسمى . فحيث أريد به أحد ما ذكر من الأمور الثلاثة ففى أى شىء تمترون ؟ " .

3 - أن الرأى الأول هو الرأى المأثور عن بعض الصحابة ، وبه قال جمهور المفسرين ، وقد عزاه ابن كثير فى تفسيره إلى عشرة من التابعين .

وعطفت الجملة الكريمة بثم ، للإشارة إلى أطوار خلق الإنسان المختلفة ، فهو فى أصله من سلالة من طين ، ثم يصيره الله - تعالى - نطفة ، فعلقة ، فمضغة ، فعظاما ، ثم يكونه - سبحانه - وتعالى خلقا آخر . فتبارك الله أحسن الخالقين " .

ووصف الأجل الثانى بأنه ( مسمى عنده ) ، لأن وقت قيام الساعة من الأمور التى لا يعلمها إلا الله قال - تعالى - : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الساعة أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السماوات والأرض لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ الله ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ } وجاء قوله تعالى { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } مقدما على ( عنده ) لأنه مبتدأ ، والذى سوغ الابتداء به مع كونه نكرة تخصصه بالوصف فقارب المعرفة لذلك ، فهو كقوله - تعالى - { وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ } ومعنى ( عنده ) أى : فى علمه الذى لا يعلمه أحد سواه ، فهى عندية تشريف وخصوصية .

ثم ختمت الآية الكريمة بتوبيخ الشاكين فى البعث والحساب فقال - تعالى - :

{ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } . الامتراء : هو التردد الذى ينتهى إلى محاجة ومجادلة وقد ينتهى إلى شك ثم إلى إنكار . مأخوذ من مرى الضرع إذا مسحه للدر ووجه المناسبة فى استعماله فى الشك ، أن الشك سبب لاستخراج العلم الذى هو كاللبن الخالص نم بين فرث ودم .

والمعنى : ثم إنكم بعد كل هذه الأدلة الدالة على وحدانية الله ، وعلى أن يوم القيامة حق ، تشكون فى ذلك ، وتجادلون المؤمنين فيما تشكون فيه " بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير " .

وجاء العطف بثم لبيان التفاوت الكبير بين الحقائق الثابتة الناصعة ، وبين ما سولته لهم أنفسهم من المجادلة فيها .

قال الالوسى : " والمراد استبعاد امترائهم فى وقوع البعث وتحققه فى نفسه مع مشاهدتهم فى أنفسهم من الشواهد ما يقع مادة ذلك بالكلية فإن من قدر على إفاضة الحياة على مادة غير مستعدة لشىء من ذلك ، كان أوضح اقتداراً على إقامته على مادة قد استعدت له وقارنته مدة " .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمّ قَضَىَ أَجَلاً وَأَجَلٌ مّسمّى عِندَهُ ثُمّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ } . .

يعني تعالى ذكره بقوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ أن الله الذي خلق السموات والأرض ، وأظلم ليلهما وأنار نهارهم ، فكفر به مع إنعامه عليهم الكافرون ، وعدلوا به من لا ينفعهم ولا يضرّهم . هو الذي خلقكم أيها الناس من طين وإنما يعني بذلك تعالى ذكره أن الناس وَلَدُ مَن خَلَقه من طين ، فأخرج ذلك مخرج الخطاب لهم ، إذ كانوا وَلَدَه .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ بدء الخلق خلق الله آدم من طين .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ قال : هو آدم .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن مفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : أما خَلَقكم من طين : فآدم .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : خلق آدم من طين ، وخلق الناس من سلالة من ماء مهين .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ قال : خلق آدم من طين ، ثم خلقنا من آدم حين أخذنا من ظهره .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ .

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى قوله : ثُمّ قَضَى أجَلاً : ثم قضى لكم أيها الناس أجلاً ، وذلك ما بين أن يُخلق إلى أن يموت وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ وذلك ما بين أن يموت إلى أن يبعث . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، وهناد بن السريّ ، قالا : حدثنا وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن أبي بكر الهذليّ ، عن الحسن ، في قوله : قَضَى أجَلاً قال : ما بين أن يخلق إلى أن يموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : ما بين أن يموت إلى أن يبعث .

حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد بن زريع ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ كان يقول : أجلَ حياتك إلى أن تموت وأجَل موتك إلى أن تبعث ، فأنت بين أجلين من الله تعالى .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو تميلة ، عن عبيد بن سليمان ، عن الضحاك بن مزاحم : قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : قضى أجل الموت ، وكلّ نفس أجلها الموت . قال : وَلَنْ يُؤَخّرَ اللّهُ نَفْسا إذَا جَاءَ أجَلُها . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يعني : أجل الساعة ذهاب الدنيا والإفضاء إلى الله .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : ثم قضى الدنيا وعنده الاَخرة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قوله : أجَلاً قال : الدنيا . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ الاَخرة .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن زكريا بن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : قَضَى أجَلاً قال : الاَخرة عنده . وأجَلٌ مُسَمّى الدنيا .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أجَلاً قال : الاَخرة عنده . وأجَلٌ مُسَمّى قال : الدنيا .

حدثنا محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أجَلاً قال : الاَخرة عنده . وأجَلٌ مُسَمّى قال : الدنيا .

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة والحسن : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قالا : قضى أجل الدنيا من حين خلقك إلى أن تموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يوم القيامة .

حدثنا هناد ، قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : قضى أجل الدنيا . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : هو أجل البعث .

حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد وعكرمة : ثُمّ قَضَى أجَلاً قال : الموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ الاَخرة .

حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة والحسن ، في قوله : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قالا : قضى أجل الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تموت ، وأجل مسمى عنده يوم القيامة .

حدثنا ابن وكيع وابن حميد ، قالا : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : قَضَى أجَلاً قال : أجل الدنيا . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : البعث .

حدثني المثنى ، قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية بن صالح ، عن عليّ بن طلحة ، عن ابن عباس : ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يعني : أجل الموت . والأجل المسمى : أجل الساعة ، الوقوف عند الله .

حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ قَضَى أجَلاً قال : أما قضى أجلاً : فأجل الموت . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ يوم القيامة .

وقال آخرون في ذلك بما :

حدثني به محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : ثُمّ قَضَي أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ قال : أما قوله : قَضَي أجَلاً فهو النوم تقبض فيه الروح ثم ترجع إلى صاحبها حين اليقظة . وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ : هو أجل موت الإنسان .

وقال آخرون بما :

حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، في قوله : هُوَ الّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ ثُمّ أنْتُمْ تَمْتَرُونَ قال : خلق آدم من طين ، ثم خلقنا من آدم ، أخذنا من ظهره ، ثم أخذ الأجل والميثاق في أجل واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا .

وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : معناه : ثم قضى أجل هذه الحياة الدنيا ، وأَجَلٌ مُسَمّى عّهْدَهُ وهو أجل البعث عنده .

وإنما قيل ذلك أولى بالصواب ، لأنه تعالى نبه خلقه على موضع حجته عليهم من أنفسهم ، فقال لهم : أيها الناس ، إن الذي يعدل به كفاركم الاَلهة والأنداد هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين ، فجعلكم صورا أجساما أحياء بعد إذ كنتم طينا جمادا ، ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم ، ليعيدكم ترابا وطينا كالذي كنتم قبل أن ينشأكم ويخلقكم . وأَجَلٌ مُسَمّى عِنْدَهُ لإعادتكم أحياء وأجساما كالذي كنتم قبل مماتكم . وذلك نظير قوله : كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللّهِ وكُنْتُمْ أمْوات فأحْيَاكُمْ ثُمّ يُمِيْتُكُمْ ثُمّ يُحُيِيكُمْ ثُمّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ .

القول في تأويل قوله تعالى : ثُمّ أنْتُمْ تَمْتُرُونَ .

يقول تعالى ذكره : ثم أنتم تشكون في قدرة من قدر على خلق السموات والأرض ، وإظلام الليل وإنارة النهار ، وخلقكم من طين حتى صيركم بالهيئة التي أنتم بها على إنشائه إياكم من بعد مماتكم وفنائكم ، وإيجاده إياكم بعد عدمكم . والمرية في كلام العرب هي الشكّ ، وقد بينت ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته . وقد :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : ثُمّ أنْتُمْ تَمْتَرُونَ قال : الشكّ . قال : وقرأ قول الله : فِي مِرْيَةٍ منْهُ قال : في شكّ منه .

حدثني محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد بن المفضل ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ : ثُمّ أنْتُمْ تَمْتَرُونَ بمثله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

{ هو الذي خلقكم من طين } أي ابتدأ خلقكم منه ، فإنه المادة الأولى وأن آدم الذي هو أصل البشر خلق منه ، أو خلق أباكم فحذف المضاف . { ثم قضى أجلا } أجل الموت . { وأجل مسمى عنده } أجل القيامة . وقيل الأول ما بين الخلق والموت ، { والثاني ما بين الموت والبعث ، فإن الأجل كما يطلق لآخر المدة يطلق لجملتها . وقيل الأول النوم والثاني الموت . وقيل الأول لمن مضى والثاني لمن بقي ولمن يأتي ، وأجل نكرة خصصت بالصفة ولذلك استغني عن تقديم الخبر والاستئناف به لتعظيمه ولذلك نكر ووصف بأنه مسمى أي مثبت معين لا يقبل التغيير ، وأخبر عنه بأنه عند الله لا مدخل لغيره فيه يعلم ولا قدرة ولأنه المقصود بيانه . { ثم أنتم تمترون } استبعاد لامترائهم بعد ما ثبت أنه خالقهم وخالق أصولهم ومحييهم إلى آجالهم ، فإن من قدر على خلق المواد وجمعها وإيداع الحياة فيها وإبقائها ما يشاء كان أقدر على جمع تلك المواد وإحيائها ثانيا ، فالآية الأولى دليل التوحيد والثانية دليل البعث ، والامتراء الشك وأصله المري وهو استخراج اللبن من الضرع .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم . . المعنى خلق آدم من طين والبشر من آدم فلذلك قال : { خلقكم من طين } وحكى المهدوي عن فرقة أنها قالت بل المعنى أن النطفة التي يخلق منها الإنسان أصلها من طين ثم يقلبها الله نطفة ، وذكره مكي والزهراوي ، والقول الأول أليق بالشريعة لأن القول الثاني إنما يترتب على قول من يقول بأن الطين يرجع بعد التولد والاستحالات الكثيرة نطفة ، وذلك مردود عند الأصوليين ، واختلف المفسرون في هذين الأجلين ، فقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة والضحاك ، { أجلاً } أجل الإنسان من لدن ولادته إلى موته ، والأجل المسمى عنده من وقت موته إلى حشره ، ووصفه بمسمى عنده لأنه استأثر بعلم وقت القيامة ، وقال ابن عباس : { أجلاً } ، الدنيا ، { أجل مسمى } الآخرة ، وقال مجاهد : { أجلاً } الآخرة ، { وأجل مسمى } ، الدنيا بعكس الذي قبله ، وقال ابن عباس أيضاً : { أجلاً } ، وفاة الإنسان بالنوم ، { وأجل مسمى } وفاته بالموت وقال ابن زيد ، الأجل الأول هو في وقت أخذ الميثاق على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم ، وبقي «أجل » واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا ، وحكى المهدوي عن فرقة { أجلاً } ، ما عرف الناس من آجال الأهلة والسنين والكوائن ، { وأجل مسمى } قيام الساعة ، وحكي أيضاً عن فرقة { أجلاً } مسمى{[4819]} : ما عرفناه من أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ، { وأجل مسمى } الآخرة .

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه : وينبغي أن تتأمل لفظة { قضى } في هذه الآية فإنها تحتمل معنيين ، فإن جعلت بمعنى قدر وكتب ورجعت إلى سابق علمه وقدره فيقول إن ذلك ولا بد قبل خلقه آدم من طين ، وتخرج ثم من معهودها في ترتيب زمَنْي وقوع القصتين ويبقى لها ترتيب زمَني الإخبار عنه ، كأنه قال : أخبركم أنه خلقكم من طين ثم أخبركم أنه قضى أجلاً ، وإن جعلت { قضى } بمعنى أوجد وأظهر ويرجع ذلك إلى صفة فعل فيصح أن يكون خلق آدم من طين قبل إظهار هذا الأجل وإبدائه ، وتكون [ ثم ] على بابها في ترتيب زمَنْي وقوع القضيتين . و { تمترون } معناه : تشكون ، والمرية : الشك{[4820]} .

وقوله : { ثم أنتم } على نحو قوله : { ثم الذين كفروا بربهم يعدلون } في التوبيخ على سوء الفعل بعد مهلة من وضوح الحجج .


[4819]:-هكذا بالنسخ التي بين أيدينا- ولفظة [مسمى] ليس لها موضع هنا لعلها من زيادة النساخ، وكلمة [مسمى] معناها: معلوم، و[عنده] يعني مذكور في اللوح المحفوظ، أو هي مجاز عن علمه ولا يراد المكان.
[4820]:- من التماري على مذهب الشك قوله تعالى: {أفتمارونه على ما يرى}.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ} (2)

استئناف لغرض آخر للتعجيب من حال المشركين إذ أنكروا البعث ، فإنّه ذكّرهم ابتداء بخلق السماوات والأرض ، وعجّب من حالهم في تسويتهم ما لم يخلق السماوات ولا الأرض بالله تعالى في الإلهيّة . ثم ذكّرهم بخلقهم الأول ، وعجّب من حالهم كيف جمعوا بين الاعتراف بأنّ الله هو خالقهم الخلق الأول فكيف يمترون في الخلق الثاني .

وأتي بضمير ( هو ) في قوله { هو الذي خلقكم } ليحصل تعريف المسند والمسند إليه معاً ، فتفيد الجملة القصر في ركني الإسناد وفي متعلّقها ، أي هو خالقكم لا غيره ، من طين لا من غيره ، وهو الذي قضى أجلاً وعنده أجل مسمّى فينسحب حكم القصر على المعطوف على المقصور . والحال الذي اقتضى القصر هو حال إنكارهم البعث لأنّهم لمّا أنكروه وهو الخلق الثاني نزّلوا منزلة من أنكر الخلق الأول إذ لا فرق بين الخلقين بل الإعادة في متعارف الصانعين أيسرُ كما قال تعالى : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه } [ الروم : 27 ] وقال { أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خَلق جديد } [ ق : 15 ] . والقصر أفاد نفي جميع هذه التكوينات عن غير الله من أصنامهم ، فهو كقوله : { الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء } [ الروم : 40 ] .

والخطاب في قوله { خلقكم } موجّه إلى الذين كفروا ، ففيه التفات من الغيبة إلى الخطاب لقصد التوبيخ .

وذكر مادّة ما منه الخلق بقوله : { من طين } لإظهار فساد استدلالهم على إنكار الخلق الثاني ، لأنّهم استبعدوا أن يعاد خلق الإنسان بعد أن صار تراباً . وتكرّرت حكاية ذلك عنهم في القرآن ، فقد اعترفوا بأنّهم يصيرون تراباً بعد الموت ، وهم يعترفون بأنّهم خلقوا من تراب ، لأنّ ذلك مقرّر بين الناس في سائر العصور ، فاستدلّوا على إنكار البعث بما هو جدير بأن يكون استدلالاً على إمكان البعث ، لأنّ مصيرهم إلى تراب يقرّب إعادة خلقهم ، إذ صاروا إلى مادة الخلق الأوّل ، فلذلك قال الله هنا { هو الذي خلقكم من طين } وقال في آيات الاعتبار بعجيب تكوينه { إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } [ الإنسان : 2 ] ، وأمثال ذلك .

وهذا القدح في استدلالهم يسمّى في اصطلاح علم الجدل القولَ بالموجَب ، والمنبّهُ عليه من خطأ استدلالهم يسمّى فساد الوضع .

ومعنى { خلقكم من طين } أنّه خلق أصل النّاس وهو البشر الأوّل من طين ، فكان كلّ البشر راجعاً إلى الخلق من الطين ، فلذلك قال { خلقكم من طين } . وقال في موضع آخر { إنّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج } [ الإنسان : 2 ] أي الإنسان المتناسل من أصل البشر .

و { ثم } للترتيب والمهلة عاطفة فعل { قضى } على فعل { خلق } فهو عطف فعل على فعل وليس عطف جملة على جملة .

والمهلة هنا باعتبار التوزيع ، أي خلق كلّ فرد من البشر ثم قضى له أجله ، أي استوفاه له ، ف { قضى } هنا ليس بمعنى ( قدّر ) لأنّ تقدير الأجل مقارن للخلق أو سابق له وليس متأخّراً عنه ولكن { قضى } هنا بمعنى ( أوفى ) أجل كلّ مخلوق كقوله : { فلمّا قضينا عليه الموت } [ سبأ : 14 ] ، أي أمتناه . ولك أن تجعل ( ثم ) للتراخي الرتبي .

وإنّما اختير هنا ما يدلّ على تنهية أجل كلّ مخلوق من طين دون أن يقال : إلى أجل ، لأنّ دلالة تنهية الأجل على إمكان الخلق الثاني ، وهو البعث ، أوضح من دلالة تقدير الأجل ، لأنّ التقدير خفي والذي يعرفه الناس هو انتهاء أجل الحياة ، ولأنّ انتهاء أجل الحياة مقدمة للحياة الثانية .

وجملة { وأجل مسمّى عنده } معترضة بين جملة { ثم قضى أجلاً } . وجملة { ثم أنتم تمترون } . وفائدة هذا الاعتراض إعلام الخلق بأنّ الله عالم آجال الناس ردّاً على قول المشركين { ما يهلكنا إلاّ الدهر } [ الجاثية : 24 ] .

وقد خولفت كثرة الاستعمال في تقديم الخبر الظرف على كلّ مبتدأ نكرة موصوفة ، نحو قوله تعالى : { ولي نعجة واحدة } [ ص : 23 ] ، حتّى قال صاحب « الكشاف » : إنّه الكلام السائر ، فلم يقدّم الظرف في هذه الآية لإظهار الاهتمام بالمسند إليه حيث خولف الاستعمال الغالب من تأخيره فصار بهذا التقديم تنكيره مفيداً لمعنى التعظيم ، أي وأجل عظيم مسمّى عنده .

ومعنى : { مسمّى } معيّن ، لأنّ أصل السمة العلامة التي يتعيّن بها المعلّم . والتعيين هنا تعيين الحدّ والوقت .

والعندية في قوله : { عنده } عندية العلم ، أي معلوم له دون غيره . فالمراد بقوله : { وأجل مسمّى } أجل بعث الناس إلى الحشر ، فإنّ إعادة النّكرة بعد نكرة يفيد أنّ الثانيّة غير الأولى ، فصار : المعنى ثم قضى لكم أجلين : أجلاً تعرفون مدّته بموت صاحبه ، وأجلاً معيّن المدّة في علم الله .

فالمراد بالأجل الأول عمر كلّ إنسان ، فإنّه يعلمه الناس عند موت صاحبه ، فيقولون : عاش كذا وكذا سنة ، وهو وإن كان علمه لا يتحقّق إلاّ عند انتهائه فما هو إلاّ علم حاصل لكثير من النّاس بالمقايسة . والأجل المعلوم وإن كان قد انتهى فإنّه في الأصل أجل ممتدّ .

والمراد بالأجل الثاني ما بين موت كلّ أحد وبين يوم البعث الذي يبعث فيه جميع الناس ، فإنَّه لا يعلمه في الدنيا أحد ولا يعلمونه يوم القيامة ، قال تعالى : { ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النهار يتعارفون بينهم } [ يونس : 45 ] ، وقال : { ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة } [ الروم : 55 ] .

وقوله : { ثم أنتم تمترون } عطفت على جملة : { هو الذي خلقكم من طين } ، فحرف { ثم } للتراخي الرتبي كغالب وقوعها في عطف الجمل لانتقال من خبر إلى أعجب منه ، كما تقدّم في قوله تعالى : { ثم الذين كفروا بربّهم يعدلون } [ الأنعام : 1 ] ، أي فالتعجيب حقيق ممّن يمترون في أمر البعث مع علمهم بالخلق الأول وبالموت . والمخاطب بقوله : { أنتم تمترُون } هم المشركون . وجيء بالمسند إليه ضميراً بارزاً للتوبيخ .

والامتراء : الشكّ والتردّد في الأمر ، وهو بوزن الافتعال ، مشتقّ من المرية بكسر الميم اسم للشكّ ، ولم يرد فعله إلاّ بزيادة التاء ، ولم يسمع له فعل مجرّد .

وحذف متعلّق { تمترون } لظهوره من المقام ، أي تمترون في إمكان البعث وإعادة الخلق . والذي دلّ على أنّ هذا هو المماري فيه قوله : { خَلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمّى عنده } إذ لولا قصد التذكير بدليل إمكان البعث لما كان لذكر الخلق من الطين وذكر الأجل الأول والأجل الثاني مُرجّح للتخصيص بالذكر .