المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{لَّهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَٰلِدِينَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدٗا مَّسۡـُٔولٗا} (16)

16- لهم فيها ما يرغبون وينعمون به نعيماً دون انقطاع ، وكان هذا النعيم وعداً من الله لهم ، سألوا ربهم تحقيقه فأجابهم إلي ما سألوه ، لأن وعده لا يتخلف .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لَّهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَٰلِدِينَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدٗا مَّسۡـُٔولٗا} (16)

{ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ } أي : يطلبون وتتعلق بهم أمانيهم ومشيئتهم ، من المطاعم والمشارب اللذيذة والملابس الفاخرة والنساء الجميلات والقصور العاليات والجنات والحدائق المرجحنة والفواكه التي تسر ناظريها وآكليها ، من حسنها وتنوعها وكثرة أصنافها والأنهار التي تجري في رياض الجنة وبساتينها ، حيث شاءوا يصرفونها ويفجرونها أنهارا من ماء غير آسن وأنهارا من لبن لم يتغير طعمه وأنهارا من خمر لذة للشاربين وأنهارا من عسل مصفى وروائح طيبة ، ومساكن مزخرفة ، وأصوات شجية تأخذ من حسنها بالقلوب ومزاورة الإخوان ، والتمتع بلقاء الأحباب ، وأعلى من ذلك كله التمتع بالنظر إلى وجه الرب الرحيم وسماع كلامه ، والحظوة بقربه والسعادة برضاه والأمن من سخطه واستمرار هذا النعيم ودوامه وزيادته على ممر الأوقات وتعاقب الآنات { كَانَ } دخولها والوصول إليها { عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا } يسأله إياها ، عباده المتقون بلسان حالهم ولسان مقالهم ، فأي الدارين المذكورتين خير وأولى بالإيثار ؟ وأي : العاملين عمال دار الشقاء أو عمال دار السعادة أولى بالفضل والعقل والفخر يا أولي الألباب ؟

لقد وضح الحق واستنار السبيل فلم يبق للمفرط عذر في تركه الدليل ، فنرجوك يا من قضيت على أقوام بالشقاء وأقوام بالسعادة أن تجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة ، ونستغيث بك اللهم من حالة الأشقياء ونسألك المعافاة منها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لَّهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَٰلِدِينَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدٗا مَّسۡـُٔولٗا} (16)

{ لَّهُمْ فِيهَا } فى تلك الجنة { مَا يَشَآءُونَ } أى : ما يشاءونه من خيرات وملذات حالمة كونهم { خَالِدِينَ } فيها خلودا أبديا .

{ كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً } أى : كان ذلك العطاء الكريم الذى تفضلنا به على عبادنا المتقين ووعدناهم به ، من حقهم أن يسألونا تحقيقه لعظمه وسمو منزلته ، كما قال - تعالى - حكاية عنهم فى آية أخرى { رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد } وعلى هذا المعنى يكون قولا { مَّسْئُولاً } بمعنى جديرا أن يسأل عنه المؤمنون لعظم شأنه .

ويجوز أن يكون السائلون عنه الملائكة ، كما فى قوله - تعالى - : { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ . . } ويرى بعضهم أن المعنى ، كان ذلك العطاء للمؤمنين وعدا منا لهم ، ونحن بفضلنا وكرمنا سننفذ هذا الوعد ، قال - تعالى - : { وَعْدَ الله لاَ يُخْلِفُ الله وَعْدَهُ . . . } هذا ، وقد تكلم العلماء هنا عن المراد بلفظ " خير " فى قوله - تعالى - { قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد } وقالوا : إن هذا اللفظ صيغة تفضيل ، والمفضل عليه هنا وهو العذاب لا خير فيه البته ، فكيف عبر - سبحانه - بلفظ خير ؟

وقد أجابوا عن ذلك بأن المفاضلة هنا غير مقصودة ، وإنما المقصود هو التهكم بهؤلاء الكافرين الذين آثروا الضلالة على الهداية ، واستحبوا الكفر على الإيمان .

قال أبو حيان - رحمه الله - : و " خير " هنا ليست تدل على الأفضلية ، بل هى على ما جرت به عادة العرب فى بيان فضل الشىء ، وخصوصيته بالفضل دون مقابلة . كقول الشاعر : فشر كما لخير كما الفداء . . . وكقول العرب : الشقاء أحب إليك أم السعادو . وكقوله - تعالى - حكاية عن يوسف - عليه السلام - : { رَبِّ السجن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ }

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لَّهُمۡ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَٰلِدِينَۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعۡدٗا مَّسۡـُٔولٗا} (16)

القول في تأويل قوله تعالى : { قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنّةُ الْخُلْدِ الّتِي وَعِدَ الْمُتّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً وَمَصِيراً * لّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَىَ رَبّكَ وَعْداً مّسْئُولاً } .

يقول تعالى ذكره : قل يا محمد لهؤلاء المكذّبين بالساعة : أهذه النار التي وصف لكم ربّكم صفتها وصفة أهلها خير ، أم بستان الخلد الذي يدوم نعيمه ولا يبيد ، الذي وَعَد من اتقاه في الدنيا بطاعته فيما أمره ونهاه ؟ وقوله : كانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرا يقول : كانت جنة الخلد للمتقين جزاء أعمالهم لله في الدنيا بطاعته وثواب تقواهم إياه ومصيرا لهم ، يقول : ومصيرا للمتقين يصيرون إليها في الاَخرة . وقوله : لَهُمْ فِيها ما يَشاءُونَ يقول : لهؤلاء المتقين في جنة الخلد التي وَعَدَهموها الله ، ما يشاءون مما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين . خالدِينَ فيها ، يقول : لابثين فيها ماكثين أبدا ، لا يزولون عنها ولا يزول عنهم نعيمها . وقوله : كانَ عَلى رَبّكَ وَعْدا مَسْئُولاً وذلك أن المؤمنين سألوا ربهم ذلك في الدنيا حين قالوا : آتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ يقول الله تبارك وتعالى : كان إعطاء الله المؤمنين جنة الخلد التي وصف صفتها في الاَخرة ، وعْدا وعدهُمُ الله على طاعتهم إياه في الدنيا ومسئلتهم إياه ذلك .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن عطاء الخراسانيّ ، عن ابن عباس : كانَ عَلى رَبّكَ وَعْدا مَسْئُولاً قال : فسألوا الذي وعدَهُم وتنجزوه .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : كانَ عَلى رَبّكَ وَعْدا مَسْئُولاً قال : سألوه إياه في الدنيا ، طلبوا ذلك فأعطاهم وعدهم ، إذ سألوه أن يعطيهم فأعطاهم ، فكان ذلك وعدا مسئولاً ، كما وقّت أرزاق العباد في الأرض قبل أن يخلقهم فجعلها أقواتا للسائلين ، وقّت ذلك على مسئلتهم . وقرأ : وَقَدّرَ فِيها أقْوَاتَها فِي أرْبَعَةِ أيّامٍ سَوَاءً للسّائِلِينَ .

وقد كان بعض أهل العربية يوجه معنى قوله : وَعْدا مَسْئُولاً إلى أنه معنيّ به وعدا واجبا ، وذلك أن المسئول واجب ، وإن لم يُسْأل كالدين ، ويقول : ذلك نظير قول العرب : لأعطينك ألفا وعدا مسئولاً ، بمعنى واجب لك فتسأله .