المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

12- يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسبق نور إيمانهم وأعمالهم الطيبة أمامهم وعن أيمانهم ، تقول لهم الملائكة : بُشراكم في هذا اليوم جنات تجرى من تحت أشجارها الأنهار لا تخرجون منها أبداً ، ذلك الجزاء هو الفوز العظيم لكم لقاء أعمالكم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىَ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينٌ وَالمُؤْمِناتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَينَ أيْدِيهِمْ وبأيمانِهِمْ فقال بعضهم : معنى ذلك : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يضيء نورهم بين أيديهم وبأيمانهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِناتِ . . . الآية ، ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان يقول : «مِنَ المُؤْمِنِينَ مَنْ يُضِيءُ نُورُهُ مِنع المَدِينَةِ إلى عَدَنَ أبَيْنَ فَصَنْعاءَ ، فَدُونَ ذلكَ ، حتى إنّ مِنَ المُؤْمِنِينَ مَنْ لا يُضِيء نُورُهُ إلاّ مَوْضِعَ قَدَمَيْهِ » .

حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه .

حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي يذكر عن المنهال ، عن عمرو ، عن قيس بن سكن ، عن عبد الله ، قال : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نورا على إبهامه يطفأ مرة ويقدُ مرّة .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى إيمانهم وهداهم بين أيديهم ، وبأيمانهم : كتبهم . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : يَسْعَى نُورُهُمْ بَينَ أيْدِيهِمْ وَبأيمانِهِمْ : كتبهم ، يقول الله : فأما من أوتي كتابه بيمينه ، وأما نورهم فهداهم .

وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي ذكرناه عن الضحاك ، وذلك أنه لو عنى بذلك النور الضوء المعروف ، لم يخصّ عنه الخبر بالسعي بين الأيدي والأيمان دون الشمائل ، لأن ضياء المؤمنين الذي يؤتونه في الاَخرة يضيء لهم جميع ما حولهم ، وفي خصوص الله جلّ ثناؤه الخبر عن سعيه بين أيديهم وبأيمانهم دون الشمائل ، ما يدلّ على أنه معنيّ به غير الضياء ، وإن كانوا لا يخلون من الضياء .

فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا : وكلاّ وعد الله الحسنى يوم ترون المؤمنين والمؤمنات يسعى ثواب إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم ، وفي أيمانهم كتب أعمالهم تتطاير .

ويعني بقوله : يَسْعَى يمضي ، والباء في قوله : وبأيمانِهِمْ بمعنى في . وكان بعض نحويي البصرة يقول : الباء في قوله : وبأيمانِهِمْ بمعنى على أيمانهم .

وقوله : يَومَ تَرَى من صلة وعد .

وقوله : بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهارُ يقول تعالى ذكره يقال لهم : بشارتكم اليوم أيها المؤمنون التي تبشرون بها جنات تجري من تحتها الأنهار ، فأبشروا بها .

وقوله : خالِدِينَ فِيها يقول : ماكثين في الجنات ، لا ينتقلون عنها ولا يتحولون .

وقوله : ذلكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمِ يقول : خلودهم في الجنات التي وصفها هو النجح العظيم الذي كانوا يطلبونه بعد النجاة من عقاب الله ، ودخول الجنة خالدين فيها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

لما كان معلوماً أن مضاعفة الثواب وإعطاء الأجر يكون في يوم الجزاء ، ترجح أن يكون قوله : { يوم ترى المؤمنين } منصوباً بفعل محذوف تقديره : اذكُر تنويهاً بما يحصل في ذلك اليوم من ثواب للمؤمنين والمؤمنات ومن حرمان للمنافقين والمنافقات ، ولذلك كرر { يوم } ليَختصَّ كل فريق بذكر ما هو من شؤونه في ذلك اليوم .

وعلى هذا فالجملة متصلة بالتي قبلها بسبب هذا التعلق ، على أنه في نظم الكلام يصح جعله ظرفاً متعلقاً ب { يُضاعفه له وله أجر كريم } [ الحديد : 11 ] على طريقة التخلص لذكر ما يجري في ذلك اليوم من الخيرات لأهلها ومن الشر لأهله .

وعلى الوجه الأول فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لمناسبة ذكر أجر المنفقين فعقب ببيان بعض مزايا المؤمنين ، وعلى الوجه الثاني فهي متصلة بالتي قبلها بسبب التعلق .

والخطاب في { ترى } لغير معينّ ليكون على منوال المخاطبات التي قبله ، أي يوم يرى الرائي ، والرؤية بصرية ، و { يوم } مبني على الفتح لأنه أضيف إلى جملة فعلية ، ويجوز كونها فتحة إعراب لأن المضاف إلى المضارع يجوز فيه الوجهان .

ووجه عطف { المؤمنات } على { المؤمنين } هنا ، وفي نظائره من القرآن المدني التنبيه على أن حظوظ النساء في هذا الدين مساوية حظوظ الرجال إلا فيما خُصصن به من أحكام قليلة لها أدلتها الخاصة وذلك لإِبطال ما عند اليهود من وضع النساء في حالة ملعونات ومحرومات من معظم الطاعات .

وقد بيّنا شيئاً من ذلك عند قوله تعالى : { والأنثى بالأنثى } في سورة البقرة ( 178 ) .

والنور المذكور هنا نور حقيقي يجعله الله للمؤمنين في مسيرهم من مكان الحشر إكراماً لهم وتنويهاً بهم في ذلك المحشر .

والمعنى : يسعى نورهم حين يسعون ، فحذف ذلك لأن النور إنما يسعى إذا سعى صاحبه وإلا لا نفصل عنه وتركه .

وإضافة ( نور ) إلى ضميرهم وجعلُ مكانه من بين أيديهم وبأيمانهم يبين أنه نور لذواتهم أكرموا به .

وانظر معنى هذه الإِضافة لِضميرهم ، وما في قوله : { يسعى } من الاستعارة ، ووجه تخصيص النور بالجهة الأمام وبالأيمان كل ذلك في سورة التحريم .

والباء في { وبأيمانهم } بمعنى ( عن ) واقتصر على ذكر الأيمان تشريفاً لها وهو من الاكتفاء ، أي وبجانبيهم .

ويجوز أن تكون الباء للملابسة ، ويكون النور الملابس لليمين نورَ كتاب الحسنات كما قال تعالى : { فأمَّا من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً } [ الانشقاق : 7 ، 8 ] فإن كتاب الحسنات هدى فيكون لفظ « النور » قد استعمل في معنييه الحقيقي والمجازي وهو الهدى والبركة .

قال ابن عطية : « ومن هذه الآية انتُزع حمل المعتَق للشمعة » ا ه . ( لعله يشير إلى عادة كانت مألوفة عندهم أن يجعلوا بيد العبد الذي يعتقونه شمعة مشتعلة يحملها ساعة عتقه ولم أقف على هذا في كلام غيره ) .

والبشرى : اسم مصدر بشَّر وهي الإِخبار بخبر يسر المخبَر ، وأطلق المصدر على المفعول وهو إطلاق كثير مثل الخَلْق بمعنى المخلوق ، أي الذي تُبشَّرون به جناتٌ ، والكلام على حذف مضافين تقديرهما : إعلام بدخول جنات كما دل عليه قوله : { خالدين فيها } .

وجملة { بشراكم } إلى آخرها مقول قول محذوف ، والتقدير : يقال لهم ، أي يقال من جانب القدس ، تقوله الملائكة ، أو يسمعون كلاماً يخلقه الله يعلمون أنه من جانب القدس .

وجملة { ذلك هو الفوز العظيم } يحتمل أن يكون من بقية الكلام المحكي بالقول المبشَّر به ، ويحتمل أن يكون من الحكاية التي حكيت في القرآن ، وعلى الاحتمالين فالجملة تذييل تدل على مجموع محاسن ما وقعت به البشرى . واسم الإِشارة للتعظيم والتنبيه ، وضميرُ الفصل لتقوية الخبر .