قوله تعالى : { يَوْمَ تَرَى المؤمنين } .
فيه أوجه : {[55280]}
أحدها : أنه معمول للاستقرار العامل في «له أجر » أي : استقر له أجر في ذلك اليوم .
الثاني : أنه مضمر ، أي : اذكر ، فيكون مفعولاً به .
الثالث : أنهم يُؤجَرُون «يوم ترى » فهو ظرف على أصله .
الرابع : أن العامل فيه «يسعى » أي : يسعى نور المؤمنين والمؤمنات يوم تراهم هذا أصله .
الخامس : أن العامل فيه «فيُضَاعفه » . قالهما أبو البقاء .
قوله : «يَسْعَى » حال ؛ لأن الرُّؤية بصرية ، وهذا إذا لم تجعله عاملاً في «يوم » ، و«بين أيديهم » ظرف للسعي ، ويجوز أن يكون حالاً من «نورهم » .
قوله : «وبأيمانهم » ، أي : وفي جهة أيمانهم .
وهذه قراءة العامة{[55281]} ، أعني بفتح الهمزة جمع يمين .
وقيل : الباء بمعنى «عن » أي : عن جميع جهاتهم ، وإنما خص الأيمان لأنها أشرف الجهات .
وقرأ{[55282]} أبو حيوة وسهل بن شعيب : بكسرها .
وهذا المصدر معطوف على الظرف قبله ، والباء سببية ، أي : يسعى كائناً وثابتاً بسبب أيمانهم .
وقال أبو البقاء{[55283]} : تقديره : وبأيمانهم استحقُّوه ، أو بأيمانهم يقال لهم : بُشْرَاكُم .
فقال الحسن : هو الضياء الذي يمرون فيه{[55284]} «بين أيديهم » أي : قدَّامهم .
«وبأيمانهم » ، قال الفرَّاء : «الباء » بمعنى «في » أي : في أيمانهم ، أو بمعنى : «عن أيمانهم » .
وقال الضحاك : النور هُداهم ، وبأيمانهم كتبهم ، واختاره الطبري{[55285]} .
أي : يسعى إيمانهم وعملهم الصالح بين أيديهم ، وفي أيمانهم كتب أعمالهم ، ف «الباء » على هذا بمعنى «في » ، ويجوز على هذا أن يوقف على «بين أيديهم » ولا يوقف إذا كانت بمعنى «عن » .
وعلى قراءة سهل بن شعيب وأبي حيوة : «وبإيمانهم » بكسر الألف ، أراد الإيمان الذي هو ضد الكُفر ، وعطف ما ليس بظرف على الظَّرف لأن معنى الظرف الحال ، وهو متعلق بمحذوف .
والمعنى : يسعى كائناً بين أيديهم ، وكائناً بأيمانهم .
وعن ابن مسعود : «يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ، فمنهم من يؤتى نوره كالنَّخلة ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نوراً من نوره على إبهام رجله ، فيطفأ مرة ويوقد أخرى »{[55286]} .
قال الحسن : ليَسْتَضيئُوا به على الصِّراط{[55287]} .
وقال مقاتل : ليكون لهم دليلاً إلى الجنَّة{[55288]} .
قوله : { بُشْرَاكُمُ اليوم جَنَّاتٌ } .
«بُشْرَاكم » مبتدأ ، و«اليوم » ظرف ، و«جنَّات » خبره على حذف مضاف أي : دخول جنَّات وهذه الجملة في محل نصب بقول مُقدَّر ، وهو العامل في الظرف ، يقال لهم : بُشراكم اليوم دخول جنَّات{[55289]} .
قال القرطبي{[55290]} : «ولا بُدَّ من تقدير حذف المضاف ؛ لأن البُشْرَى حدث ، والجنة عين ، فلا تكون هي هي » .
وقال مكي{[55291]} : وأجاز الفراء نصب «جنَّات » على الحال ، ويكون «اليوم » خبر «بشراكم » قال : «وكون » جنَّات «حالاً لا معنى له ؛ إذ ليس فيها معنى فعل ، وأجاز أن يكون «بُشْرَاكم » في موضع نصب على «يبشرونهم بالبُشْرَى » ، وينصب «جنات » بالبشرى وكله بعيد ، لأنه يفصل بين الصلة والموصول باليوم » . انتهى .
وعجيب من الفرَّاء كيف يصدر عنه ما لا يتعقّل ، ولا يجوز صناعة ، كيف تكون جنات حالاً ، وماذا صاحب الحال{[55292]} ؟ .
وقوله : { خَالِدِينَ فِيهَا } حال من الدخول المحذوف ، التقدير : بشراكم اليوم دخول الجنة جنات تجري من تحتها الأنهار مقدرين الخلود فيها .
قال القرطبي{[55293]} : «ولا تكون الحال من «بشراكم » لأن فيه فصلاً بين الصلة والموصول ، ويجوز أن تكون مما دلّ عليه البشرى كأنه قال : يبشرون خالدين فيها ، ويجوز أن يكون الظَّرف الذي هو «اليوم » خبراً عن «بشراكم » ، و«جنات » بدلاً من البشرى على تقدير حذف المضاف كما تقدم ، و«خالدين » حال حسب ما تقدم » .
فصل في العامل في قوله : «خالدين »
قال شهاب الدِّين{[55294]} : «خالدين » نصب على الحال ، والعامل فيها المضاف محذوف ، إذ التقدير : بُشْرَاكم دخولكم جنات خالدين فيها ، فحذف الفاعل وهو ضمير المخاطب ، [ وأضيف المصدر لمفعوله ، فصار دخول جنات ]{[55295]} ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف فيه مقامه في الإعراب ، ولا يجوز أن يكون «بشراكم » هو العامل فيها ؛ لأنه مصدر ، وقد أخبر عنه قبل ذكر متعلقاته ، فيلزم الفصل بأجنبي ، وظاهر كلام مكي أنه عامل في الحال ، فإنه قال : «خالدين » نصب على الحال من الكاف والميم ، والعامل في الحال هو العامل في صاحبها فيلزم أن يكون «بشراكم » هو العامل ، وفيه ما تقدم من الفصل بين المصدر ومعموله .
فصل في كون الفاسق مؤمناً أم لا
قال ابن الخطيب : تقدم في الكلام البشارة عند قوله : { وَبَشِّرِ الذين آمَنُواْ } [ البقرة : 25 ] . وهذه الآية تدل على أن المؤمنين لا ينالهم أهوال يوم القيامة ؛ لأنه تعالى بين أن هذه صفتهم يوم القيامة من غير تخصيص{[55296]} .
قال الكعبي : هذه الآية تدلّ على أن الفاسق ليس بمؤمن ؛ لأنه لو كان مؤمناً لدخل تحت هذه البشارة ، ولو كان كذلك لقطع بأنه من أهل الجنَّة ؛ [ ولما لم يكن كذلك ثبت أنه ليس بمؤمن ]{[55297]} .
أجاب ابن الخطيب{[55298]} : [ بأنا نقطع بأن الفاسق من أهل الجنة ]{[55299]} ، لأنه إما أن يدخل النار ، أو أنه ممن دخلها ، لكنه سيخرج منها ، وسيدخل الجنة ، ويبقى فيها أبد الآباد ، فإذن يقطع بأنه من أهل الجنة ، فسقط الاستدلال .
قوله : «ذلك الفوز » هذه الإشارة عائدة إلى جميع ما تقدم من النور والبشرى بالجنَّات المخلدة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.