البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

العامل في يوم ما عمل في لهم ؛ التقدير : ومستقر له أجر كريم يوم ترى ، أو اذكر يوم ترى إعظاماً لذلك اليوم .

والرؤية هنا رؤية عين ، والنور حقيقة ، وهو قول الجمهور ، وروي في ذلك عن ابن عباس وغيره آثار ، وأن كل مظهر من الإيمان له نور ، فيطفىء نور المنافق ، ويبقى نور المؤمن ، وهم متفاوتون في النور .

منهم من يضيء ، كما بين مكة وصنعاء ، ومن نوره كالنخلة السحوق ، ومن يضيء له ما قرب قدميه .

ومنهم من يهم بالانطفاء مرة ويبين مرة ، وذلك على قدر الأعمال .

وقال الضحاك : النور استعارة عن الهدى والرضوان الذي هم فيه .

والظاهر أن النور يتقدم لهم بين أيديهم ، ويكون أيضاً بأيمانهم ، فيظهر أنهما نوران : نور ساع بين أيديهم ، ونور بأيمانهم ؛ فذلك يضيء الجهة التي يؤمونها ، وهذا يضيء ما حواليهم من الجهات .

وقال الجمهور : النور أصله بأيمانهم ، والذي بين أيديهم هو الضوء المنبسط من ذلك النور .

وقيل : الباء بمعنى عن ، أي عن أيمانهم ، والمعنى : في جميع جهاتهم .

وعبر عن ذلك بالأيمان تشريفاً لها .

وقال الزمخشري : وإنما قال { بين أيديهم وبأيمانهم } ، لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين ، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم .

وقرأ الجمهور : { وبأيمانهم } ، جمع يمين ؛ وسهل بن شعيب السهمي ، وأبو حيوة : بكسر الهمزة ، وعطف هذا المصدر على الظرف لأن الظرف متعلق بمحذوف ، أي كائناً بين أيديهم ، وكائناً بسبب أيمانهم .

{ بشراكم اليوم جنات } : جملة معمولة لقول محذوف ، أي تقول لهم الملائكة : الذين يتلقونهم جنات ، أي دخول جنات .

قال ابن عطية : { خالدين فيها } ، إلى آخر الآية ، مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم . انتهى .

ولا مخاطبة هنا ، بل هذا من باب الالتفات من ضمير الخطاب في { بشراكم } إلى ضمير الغيبة في { خالدين } .

ولو جرى على الخطاب ، لكان التركيب خالداً أنتم فيها ، والالتفات من فنون البيان { يوم يقول } بدل من { يوم ترى } .

وقيل : معمول لاذكر .

قال ابن عطية : ويظهر لي أن العامل فيه { ذلك هو الفوز العظيم } ، ومجيء معنى الفوز أفخم ، كأنه يقول : إن المؤمنين يفوزون بالرحمة يوم يعتري المنافقين كذا وكذا ، لأن ظهور المرء يوم خمول عدوه ومضاده أبدع وأفخم . انتهى .

فظاهر كلامه وتقديره أن يوم منصوب بالفوز ، وهو لا يجوز ، لأنه مصدر قد وصف قبل أخذ متعلقاته ، فلا يجوز إعماله .

فلو أعمل وصفة ، وهو العظيم ، لجاز ، أي الفوز الذي عظم ، أي قدره { يوم يقول } .