الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

قوله : { يَوْمَ تَرَى } : فيه أوجهٌ ، أحدها : أنه معمولٌ للاستقرار العاملِ في " لهم أجرٌ " ، أي : استقرَّ لهم أجرٌ في ذلك اليوم . الثاني : أنه مضمرٌ ، أي : اذكرْ فيكون مفعولاً به . الثالث : أنه يُؤْجَرون يومَ ترى فهو ظرفٌ على أصلِه . الرابع : أنَّ العاملَ فيه " يَسْعى " ، أي : يَسْعى نورُ المؤمنين والمؤمناتِ يومَ تراهم ، هذا أصلُه . الخامس : أنَّ العاملَ فيه " فيضاعفَه " قالهما أبو البقاء .

قوله : { يَسْعَى } حالٌ ، لأنَّ الرؤيةَ بَصَرِيَّة ، وهذا إذا لم يَجْعَلْه عامِلاً في " يوم " و " بين أيديهم " ظرفٌ للسَّعْي ، ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنْ " نورُهم " .

قوله : { وَبِأَيْمَانِهِم } ، أي : وفي جهةِ أيمانهم . وهذه قراءةُ العامَّةِ أعني بفتح الهمزةِ جمع يَمين . وقيل : الباءُ بمعنى " عن " ، أي : عن جميعِ جهاتِهم ، وإنما خَصَّ الأَيمانَ لأنها أشرفُ الجهاتِ . وقرأ أبو حيوة وسهلُ بن شعيب بكسرِها . وهذا المصدرُ معطوفٌ على الظرفِ قبلَه .

والباءُ سببيةٌ ، أي : يسعى كائناً وكائناً بسبب إيمانهم . وقال أبو البقاء تقديرُه : وبإيمانِهم استحقُّوه ، أو بإيمانهم يُقال لهم : بُشْراكم .

قوله : { بُشْرَاكُمُ } مبتدأٌ ، و " اليومَ " ظرفٌ . و " جناتٌ " خبرهُ على حذفِ مضافٍ ، أي : دخولُ جناتٍ . وهذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ بقولٍ مقدر ، وهو العاملُ في الظرفِ كما تقدَّم . وقال مكي : " وأجاز الفراءُ نصبَ " جنات " على الحال ويكون " اليومَ " خبرَ " بُشْراكم " قال : وكونُ " جنات " حالاً لا معنى له ؛ إذ ليس فيها معنى فِعْل . وأجاز أَنْ يكونَ " بُشْراكم " في موضع نصبٍ على : يُبَشِّرونهم بالبُشرى ، وتُنْصَبُ " جنات " بالبُشْرى . وكلُّه بعيدٌ لأنه لا يُفْصَلُ بين الصلةِ والموصولِ باليوم " انتهى . وعجيبٌ من الفراء كيف يَصْدُرُ عنه ما لا يُتَعَقَّل ، ولا يجوزُ صناعةً ، كيف تكون " جنات " حالاً وماذا صاحبُ الحال ؟ .