وقوله سبحانه : { يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ } الآية ، العامل في { يَوْمَ } قوله : { وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } والرؤية هنا رؤية عينٍ ، والجمهور أَنَّ النورَ هنا هو نور حقيقة ، وقد روي في هذا عن ابن عباس وغيره آثار مضمنها : أَنَّ كل مؤمن ومُظْهِرٍ للإيمان ، يُعْطَى يومَ القيامة نوراً فَيُطْفَأُ نُورُ كُلِّ منافقٍ ، ويبقى نورُ المؤمنين ، حتى إِنَّ منهم مَنْ نورُه يضيء كما بين مَكَّةَ وصنعاءَ ؛ رفعه قتادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم مَنْ نوره كالنخلة السحوق ، ومنهم مَنْ نورُه يضيء ما قَرُبَ من قدميه ؛ قاله ابن مسعود ، ومنهم مَنْ يَهُمُّ بالانطفاء مرة وَيَبِينُ مرة على قدر المنازل في الطاعة والمعصية ، قال الفخر : قال قتادة : ما من عبد إلاَّ وينادى يوم القيامة : يا فلان ، هذا نورك ، يا فلان ، لا نورَ لك ، نعوذ باللَّه من ذلك ! واعلم أَنَّ العلمَ الذي هو نور البصيرة أولى بكونه نوراً من نور البصر ، وإذا كان كذلك ظهر أَنَّ معرفة اللَّه تعالى هي النورُ في القيامة ، فمقادير الأنوار يومَ القيامة على حسب مقادير المعارف في الدنيا ، انتهى . ونحوه للغزالي ، وخَصَّ تعالى بين الأيدي بالذكر ؛ لأَنَّهُ موضع حاجة الإنسان إلى النور ، واخْتُلِفَ في قوله تعالى : { وبأيمانهم } فقال بعض المتأولين : المعنى : وعن أيمانهم ، فكأَنَّه خَصَّ ذكر جهة اليمين ؛ تشريفاً ، وناب ذلك مَنَابَ أَنْ يقول : وفي جميع جهاتهم ، وقال جمهور المفسرين : المعنى : يسعى نورُهم بين أيديهم ، يريد الضوء المنبسط من أصل النور ، { وبأيمانهم } : أصله ، والشيءُ الذي هو مُتَّقَدٌ فيه ، فتضمن هذا القولُ أَنَّهم يحملون الأنوار ، وكونهم غير حاملين أكرم ؛ أَلاَ ترى أَنَّ فضيلةَ عباد بن بشر وأسيد بن حضير إنَّما كانت بنور لا يحملانه ، هذا في الدنيا ، فكيف بالآخرة .
( ت ) : وفيما قاله ( ع ) : عندي نظر ، وأَيضاً فأحوال الآخرة لا تُقَاسُ على أحوال الدنيا . وقوله تعالى : { بُشْرَاكُمُ } أي : يقال لهم : بشراكم { جنات } أي دخولُ جنات .
( ت ) : وقد جاءت بحمد اللَّه آثار بتبشير هذه الأُمَّةِ المحمديَّةِ ، وخَرَّجَ ابن ماجة قال : أخبرنا جُبَارة بن المغلِّس ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، عن أبي بردة ، عن أبيه قال : قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «إذَا جَمَعَ اللَّهُ الخَلاَئِقَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَذِنَ لأمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم في السُّجُودِ ، فَسَجَدُوا طَوِيلاً ، ثُمَّ يُقَالُ : ارْفَعُوا رُؤُوسَكُمْ ، فَقَدْ جَعَلْنَا عِدَتَكُمْ فِدَاءَكُمْ مِنَ النَّارِ » ، قال ابن ماجه : وحدَّثنا جُبَارَةُ بْنُ المُغَلِّسِ ، حدثنا كِثِيرُ بن سليمان : عن أنس بن مالك ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إنَّ هذه الأُمَّةَ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ ، عَذَابُهَا بِأَيْدِيهَا ، فَإذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دُفِعَ إلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ رَجُلٌ مِنَ المُشْرِكِينَ فَيُقَالُ : هذا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ » . وفي «صحيح مسلم » : " دَفَعَ اللَّهُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ : هذا فِدَاؤُكَ مِنَ النَّارِ " انتهى من «التذكرة » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.