فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

{ يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم }

يوفي الله تعالى المؤمنين البررة أجرهم الدائم الذي لا يحول ولا يزول في يوم ترى فيه المؤمنين والمؤمنات يمضي ضياؤهم قدامهم وعن أيمانهم ، وهم يجوزون الصراط ليتبوءوا مقاعد الصدق عن ربهم .

قال الحسن : ليستضيئوا به على الصراط .

وقال مقاتل : ليكون دليلا لهم إلى الجنة .

وعن ابن مسعود : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم ؛ فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم ، وأدناهم نورا من نوره على إبهام رجله ، فيطفأ مرة ويوقد أخرى .

[ وظاهره أن هذا النور يكون عند المرور على الصراط ؛ وقال بعضهم : يكون قبل ذلك ويستمر معهم إذا مروا على الصراط ؛ وفي الأخبار ما يقتضيه . . . السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين الجهتين ، كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ومن وراء ظهورهم . . ويشهد لهذا المعنى ما أخرج ابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه عن عبد الرحمان بن جبر بن نضير أنه سمع أبا ذر وأبا الدرداء قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا أول من يؤذن له في السجود يوم القيامة وأول من يؤذن له فيرفع رأسه فأرفع رأسي فأنظر بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي بين الأمم ) ، فقيل : يا رسول الله ! فكيف تعرفهم من بين الأمم ما بين نوح عليه السلام إلى أمتك ؟ قال : ( غر محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لأحد غيرهم وأعرفهم أنهم يؤتون كتبهم بأيمانهم وأعرفهم بسيماهم في وجوههم من أثر السجود وأعرفهم بنورهم الذي يسعى بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ) وظاهر هذا الخبر اختصاص النور بمؤمني هذه الأمة ، وكذا إيتاء الكتب بالأيمان ؛ وبعض الأخبار يقتضي كونه لكل مؤمن . . . ويمكن أن يقال : إن ما يكون من النور لهذه الأمة أجلى من النور الذي يكون لغيرها . . . وأما إيتاء الكتب بالأيمان فلعله لكثرته فيها بالنسبة إلى سائر الأمم تعرف به ]{[6316]} .

{ بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم ( 12 ) }

وتسوق الملائكة يومئذ الخبر السار الذي تنبسط له أسارير الوجه ، ويظهر أثره على بشرة المؤمنين والمؤمنات فيقولون لهم : بشراكم اليوم دخول جنات تجري من تحتكم- من تحت مساكنكم ، أو من تحت حدائقكم فيها- أنهار الماء المبارك ، وأنهار اللبن الطيب ، وأنهار العسل المصفى ، وأنهار الشراب الطهور ؛ يجري كل هذا من تحت منازلكم في الجنة ؛ وأبشروا بالمقام الدائم والمكث الأبدي في نعيمكم الذي أوتيتموه ؛ ذلك ربح وفلاح لا ربح أعظم ولا غنم أدوم منه .


[6316]:- ما بين العارضتين مما أورد الألوسي