فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَوۡمَ تَرَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَسۡعَىٰ نُورُهُم بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَبِأَيۡمَٰنِهِمۖ بُشۡرَىٰكُمُ ٱلۡيَوۡمَ جَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

{ يوم ترى المؤمنين والمؤمنات } أي : اذكر ، أو يؤجرون يوم ترى ، أو يسعى نور المؤمنين والمؤمنات يوم تراهم هذا أصله والعامل فيه فيضاعفه ، قاله أبو البقاء والخطاب لكل من يصلح له { يسعى نورهم } أي نور التوحيد والطاعات ، والنور هو الضياء الذي يرى ، وقيل : هو القرآن { بين أيديهم } ظرف ليسعى ، أو حال من نورهم { وبأيمانهم } وذلك على الصراط يوم القيامة وهو دليلهم إلى الجنة ، قال قتادة : إن المؤمن يضيء له نور كما بين عدن إلى صنعاء ، حتى إن من المؤمنين من لا يضيء له نوره إلا موضع قدميه وقال الضحاك ومقاتل : { وبأيمانهم } كتبهم التي أعطوها فكتبهم بأيمانهم ونورهم بين أيديهم وقال الضحاك أيضا : نورهم هداهم ، وبأيمانهم كتبهم واختار هذا ابن جرير الطبري أي : ليسعى إيمانهم بين أيديهم وفي أيمانهم كتب أعمالهم .

قال ابن مسعود في الآية : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم يمرون على الصراط منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ، وأدناهم نورا من نوره على إبهامه يطفأ مرة ويقد أخرى ، قال الفراء : الباء يعني في ، أي في جهة أيمانهم ، وهذا على قراءة العامة أعني بفتح الهمزة جمع يمين ، وقيل : الباء بمعنى عن ، أي : عن جميع جهاتهم ، وإنما خص الأيمان لأنها أشرف الجهات وقرء بكسرها على أن المراد بالإيمان ضد الكفر ، وهذا المصدر معطوف على الظرف قبله ، والباء سببية ، أي يسعى كائنا بين أيديهم وكائنا بإيمانهم ، وقال أبو البقاء : تقديره وبإيمانهم استحقوه أو بإيمانهم ، يقال لهم ، أي تقول لهم الملائكة الذين يتلقونهم ، { بشراكم اليوم } أي بشارتكم العظيمة في جميع ما يستقبلكم من الزمان .

{ جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها } أي دخول جنات ، لأن البشارة تقع بالأحداث دون الجثث { ذلك هو الفوز العظيم } لا يقادر قدره ، حتى كأنه لا فوز غيره ، ولا اعتداد بما سواه والإشارة إلى ما تقدم من النور والبشرى بالجنات المخلدة ، هذا إذا كان قوله : { ذلك هو الفوز العظيم } قول الله تعالى ، لا من جملة مقول الملائكة ، وإلا فالإشارة حينئذ إلى الجنة بتأويل ما ذكر ، أو لكونها فوزا ذكره الكرخي .