وبعد هذه الموازنة بين مصير الكافرين ومصير المؤمنين ، بدأ القرآن يسوق لنا مشهداً آخر من الحوار الذي يدور يوم القيامة بين أصحاب الجنة وأصحاب النار .
استمع إلى سورة الأعراف وهى تحكى لنا هذا المشهد المؤثر بأسلوبها العجيب فتقول : { ونادى أَصْحَابُ الجنة . . . } .
المعنى : أن أصحاب الجنة سوف يسألون أهل النار سؤال تعيير وتوبيخ يوم القيامة فيقولون لهم قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا من الثواب والجزاء ، فهل وجدتم أنتم ما وعدكم ربكم حقا من العقاب وسوء المصير ؟ قالوا : نعم . أى : قال أهل النار : نعم وجدنا ما وعدنا ربنا على ألسنة رسله حقا .
وهذا النداء إنما يكون بعد استقرار أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار .
والظاهر أن هذا النداء من كل أهل الجنة لكل أهل النار لأن الجمع إذا قابل الجمع يوزع الفرد على الفرد . فكل فريق من أهل الجنة ينادى من كان يعرفه من الكفار في دار الدنيا .
وعبر بالماضة مع أن هذا النداء يكون في الآخرة لتحقق الوقوع وتأكده .
وكلمة { حَقّاً } نصبت في الموضعين على الحالية ، وقيل إنها مفعول ثان ويكون وجد بمعنى علم .
ثم بين - سبحانه - ما جرى بعد ذلك فقال : { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } .
التأذن : رفع الصوت بالإعلام بالشىء . واللعنة : الطرد والإبعاد مع الخزى والإهانة .
والمعنى : بعد أن قامت الحجة على الكافرين وثبت الفوز للمؤمنين . نادى مناد بين الفريقين بقوله : لعنة الله على الظالمين لأنفسهم ، ولغيرهم ، الذين من صفاتهم أنهم يمنعون الناس عن اتباع شريعة الله ، ويريدون لها أن تكون معوجة غير مستقيمة حتى لا يتبعها الناس ، وهم بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب جاحدون مكذبون .
وفى قوله : { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ } . نكر المؤذن ؛ لأن معرفته غير مقصودة بل المقصود بالإعلام بما يكون هناك من الأحكام ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شىء ، فهو من أمور الغيب التي لا تعلم علما صحيحا إلا بالتوقيف المستند إلى الوحى ، وما ورد في ذلك فهو من الآثار التي لا يعتمد عليها .
قال بعض العلماء : " وفى هاتين الآيتين تعرض السورة لمرحلة أخرى من مراحل العذاب ، وهى نداء أصحاب الجنة لأصحاب النار نداء يسجل عليهم الخزى والنكال ، ويشعرهم بالحسرة والندامة ، إذ كذبوا بما يرونه الأن واقعا في مقابلة النعيم الذي صار إليه أهل الإيمان ، وأحسوا به كذلك واقعا .
وفى هذا نرى صورة من الحديث الذي يمثل الرضا والاطمئنان واللذة من جانب . ويمثل الحسرة والذلة والقلق من جانب آخر . ويصور الحكم النافذ الذي لا مرد له ولا محيص عنه يؤذن به مؤذن لا يدرك كنهه ولا يعلم من هو ولا ما صوته ولا كيف يلقى أذانه ، ولا كيف يكون أثر هذا الأذن في نفوس سامعه .
وإنه لتصوير قوى بارع ، يحرك إليه النفوس ، ويهز المشاعر ، ويبين أن النهاية الأليمة المتوقعة لهؤلاء المكذبين ، إنما هى تسجيل اللعنة عليهم ، والطرد والحرمان من رحمة الله ، مشيرا إلى أسباب ذلك الحرمان الماثلة في ظلمهم الذي كونه صدهم عن سبيل الله ، وبغيهم إياها عوجا وانحرافا وكفرهم بدار الجزاء .
ثم بين - سبحانه - ما جرى بعد ذلك فقال : { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ الله عَلَى الظالمين الذين يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } .
التأذن : رفع الصوت بالإعلام بالشىء . واللعنة : الطرد والإبعاد مع الخزى والإهانة .
والمعنى : بعد أن قامت الحجة على الكافرين وثبت الفوز للمؤمنين . نادى مناد بين الفريقين بقوله : لعنة الله على الظالمين لأنفسهم ، ولغيرهم ، الذين من صفاتهم أنهم يمنعون الناس عن اتباع شريعة الله ، ويريدون لها أن تكون معوجة غير مستقيمة حتى لا يتبعها الناس ، وهم بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب جاحدون مكذبون .
وفى قوله : { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ } . نكر المؤذن ؛ لأن معرفته غير مقصودة بل المقصود بالإعلام بما يكون هناك من الأحكام ولم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شىء ، فهو من أمور الغيب التي لا تعلم علما صحيحا إلا بالتوقيف المستند إلى الوحى ، وما ورد في ذلك فهو من الآثار التي لا يعتمد عليها .
قال بعض العلماء : " وفى هاتين الآيتين تعرض السورة لمرحلة أخرى من مراحل العذاب ، وهى نداء أصحاب الجنة لأصحاب النار نداء يسجل عليهم الخزى والنكال ، ويشعرهم بالحسرة والندامة ، إذ كذبوا بما يرونه الأن واقعا في مقابلة النعيم الذي صار إليه أهل الإيمان ، وأحسوا به كذلك واقعا .
وفى هذا نرى صورة من الحديث الذي يمثل الرضا والاطمئنان واللذة من جانب . ويمثل الحسرة والذلة والقلق من جانب آخر . ويصور الحكم النافذ الذي لا مرد له ولا محيص عنه يؤذن به مؤذن لا يدرك كنهه ولا يعلم من هو ولا ما صوته ولا كيف يلقى أذانه ، ولا كيف يكون أثر هذا الأذن في نفوس سامعه .
هذا إخبار من الله عز وجل عما يكون منهم ، وعبر عن معان مستقبلة بصيغة ماضية وهذا حسن فيما يحقق وقوعه ، وهذا النداء من أهل الجنة لأهل النار تقريع وتوبيخ وزيادة في الكرب وهو بأن يشرفوا عليهم ويخلق الإدراك في الأسماع والأبصار ، وقرأ جمهور الناس «نعَم » بفتح العين ، وقرأ الكسائي «نعِم » بكسر العين ورويت عن عمر بن الخطاب وعن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأها ابن وثاب والأعمش قال الأخفش هما لغتان ، ولم يحك سيبويه الكسر ، وقال : «نعم » عدة وتصديق أي مرة هذا ومرة هذا ، وفي كتاب أبي حاتم عن الكسائي عن شيخ من ولد الزبير قال : ما كنت أسمع أشياخ قريش يقولون : إلا «نعِم » بكسر العين ثم فقدتها بعده ، وفيه عن قتادة عن رجل من خثعم قال : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت تزعم أنك نبي : ؟ قال : «نعِم » بكسر العين ، وفيه عن أبي عثمان النهدي قال : سأل عمر عن شيء فقالوا نعم ، فقال عمر : النعم الإبل والشاء ، وقولوا «نعِم » بكسر العين . قال أبو حاتم : وهذه اللغة لا تعرف اليوم بالحرمين ، وقوله { فأذن مؤذن بينهم } الآية ؛ قال أبو علي الفارسي والطبري وغيرهما : «أذن مؤذن » بمعنى أعلم معلم ، قال سيبويه : أذنت إعلام بتصويت ، وقرأ ابن كثير في رواية قنبل ونافع وأبو عمر وعاصم «أنْ لعنةُ الله » بتخفيف «أنْ » من الثقيلة ورفع اللعنة .
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وابن كثير في رواية البزي وشبل «أنّ لعنةَ » بتثقيل «أنّ » ونصب اللعنة ، وكلهم قرأ التي في النور { أنّ لعنة الله } [ النور : 7 ] و { أنّ غضب الله } [ النور : 9 ] بتشديد النون غير نافع فإنه قرأهما «أنْ لعنة الله وأنْ غضب » مخففتين ، وروى عصمة عن الأعمش «مؤذن بينهم إن » بكسر الألف على إضمار قال .
قال القاضي أبو محمد : لما كان الأذان قولاً ، و «الظالمون » في هذه الآية : الكافرون ، ثم ابتدأ صفتهم بأفعالهم في الدنيا ليكون علامة أن أهل هذه الصفة هم المراد يوم القيامة بقوله { أن لعنة الله على الظالمين } .
جملة : { ونادى أصحاب الجنّة } يجوز أن تكون معطوفة على جملة { وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا } [ الأعراف : 43 ] إلخ ، عطفَ القول على القول ، إذْ حكي قولهم المنبيءُ عن بهجتهم بما هم فيه من النّعيم ، ثمّ حكي ما يقولونه لأهل النّار حينما يشاهدونهم .
ويجوز أن تكون معطوفة على جملة { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها } [ الأعراف : 43 ] عطف القصّة على القصّة بمناسبة الانتقال من ذكر نداء من قبل الله إلى ذكر مناداة أهل الآخرة بعضِهم بعضاً ، فعلى الوجهين يكون التعبير عنهم بأصحاب الجنّة دون ضميرهم توطئة لذكر نداء أصحاب الأعراف ونداء أصحاب النّار ، ليعبَّر عن كلّ فريق بعنوانه وليكون منه محسن الطباق في مقابلته بقوله : { أصحاب النار } .
وهذا النّداء خطاب من أصحاب الجنّة ، عبّر عنه بالنّداء كناية عن بلوغه إلى أسماع أصحاب النّار من مسافة سحيقة البُعد ، فإن سعة الجنّة وسعة النّار تقتضيان ذلك لا سيما قوله : { وبينهما حجاب } [ الأعراف : 46 ] ، ووسيلة بلوغ هذا الخطاب من الجنّة إلى أصحاب النّار وسيلة عجيبة غير متعارفة . وعلم الله وقدرتُه لا حدّ لمتعلّقاتهما .
و ( أنّ ) في قوله : { أن قد وجدنا } تفسيرية للنّداء . والخبر الذي هو { قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا } مستعمل في لازم معناه وهو الاغتباط بحالهم ، وتنغيص أعدائهم بعلمهم برفاهيّة حالهم ، والتوركُ على الأعداء إذ كانوا يحسبونهم قد ضلّوا حين فارقوا دين آبائهم ، وأنّهم حَرموا أنفسهم طيّبات الدّنيا بالانكفاف عن المعاصي ، وهذه معاننٍ متعدّدة كلّها من لوازم الإخبار ، والمعاني الكنائيّة لا يمتنع تعدّدها لأنّها تبع للّوازمِ العقليّة ، وهذه الكناية جمع فيها بين المعنى الصّريح والمعاني الكنائيّة ، ولكنّ المعاني الكنائيّة هي المقصودة إذ ليس القصد أن يَعلم أهل النّار بما حصل لأهل الجنّة ولكن القصد ما يلزم عن ذلك . وأمّا المعاني الصّريحة فمدلولة بالأصالة عند عدم القرينة المانعة .
والاستفهام في جملة : { فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا } مستعمل مجازاً مرسلاً بعلاقة اللّزوم في توقيف المخاطبين على غلطهم ، واثارة ندامتهم وغمّهم على ما فرط منهم ، والشّماتة بهم في عواقب عنادهم . والمعاني المجازيّة التي علاقتها اللّزوم يجوز تعدّدها مثل الكناية ، وقرينة المجاز هي : ظهور أنّ أصحاب الجنّة يعلمون أنّ أصحاب النّار وجدوا وعده حقاً .
والوجدان : إلفاء الشّيء ولقيّه ، قال تعالى : { فوجد فيها رجلين يقتتلان } [ القصص : 15 ] وفِعله يتعدّى إلى مفعول واحد ، قال تعالى : { ووجد الله عنده } [ النور : 39 ] ويغلب أن يذكر مع المفعول حالُه ، فقوله : { وجدنا ما وعدنا ربنا حقا } معناه ألفيناه حالَ كونه حقاً لا تخلّف في شيء منه ، فلا يدلّ قوله : { وجدنا } على سبق بحث أو تطلب للمطابقة كما قد يتوهّم ، وقد يستعمل الوجدان في الإدراك والظنّ مجازاً ، وهو مجاز شائع .
و ( ما ) موصولة في قوله : { مَا وعدنا ربّنا } و { مَا وعد ربّكم } ودَلت على أنّ الصّلة معلومة عند المخاطبين ، على تفاوت في الإجمال والتّفصيل ، فقد كانوا يعلمون أنّ الرّسول عليه الصّلاة والسّلام وعد المؤمنين بنعيم عظيم ، وتوعّد الكافرين بعذاب أليم ، سمع بعضهم تفاصيل ذلك كلَّها أو بعضها ، وسمع بعضهم إجمالها : مباشرة أو بالتّناقل عن إخوانهم ، فكان للموصولية في قوله : { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا } إيجازٌ بديع ، والجواب بنَعَم تحقيق للمسؤول عنه بهل : لأنّ السؤال بهَل يتضمّن ترجيح السّائل وقوع المسؤول عنه ، فهو جوابُ المقرّ المتحسّر المعترف ، وقد جاء الجواب صالحاً لظاهر السّؤال وخفيِّه ، فالمقصود من الجواب بها تحقيق ما أريد بالسؤال من المعاني حقيقة أو مجازاً ، إذ ليست نعَم خاصة بتحقيق المعاني الحقيقيّة .
وحذف مفعول ( وعَدَ ) الثّاني في قوله : { ما وعد ربكم } لمجرّد الإيجاز لدلالة مقابله عليه في قوله : { ما وعدنا ربنا } لأنّ المقصود من السّؤال سؤالهم عمّا يخصّهم . فالتّقدير : فهل وجدتم ما وعدكم ربّكم ، أي من العذاب لأنّ الوعد يستعمل في الخير والشرّ .
ودلّت الفاء في قوله : { فأذّن مؤذن } على أنّ التّأذين مسبّب على المحاورة تحقيقاً لمقصد أهل الجنّة من سؤال أهل النّار من إظهار غلطهم وفساد معتقدهم .
والتّأذينُ : رفع الصّوت بالكلام رفعاً يُسمع البعيد بقدر الإمكان وهو مشتقّ من الأذن بضمّ الهمزة جارحةِ السمع المعروفة ، وهذا التّأذين إخبار باللّعن وهو الإبعاد عن الخير ، أي إعلام بأنّ أهل النّار مبعدون عن رحمة الله ، زيادة في التّأييس لهم ، أو دعاء عليهم بِزيادة البعد عن الرّحمة ، بتضعيف العذاب أو تحقيق الخلود ، ووقُوع هذا التأذين عقب المحاورة يعلَم منه أنّ المراد بالظّالمين ، وما تبعه من الصّفات والأفعال ، هم أصحاب النّار ، والمقصود من تلك الصّفات تفظيع حالهم ، والنّداء على خبْثثِ نفوسهم ، وفساد معتقدهم .
وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وقُنبل عن ابن كثير : { أنْ لعنة الله } بتخفيف نون ( أن ) على أنّها تفسيريّة لفعل ( أذّنَ ) ورفععِ ( لعنة ) على الابتداء والجملة تفسيرية ، وقرأه الباقون بتشديد النّون وبنصب ( لعنة ) على ( أنّ ) الجملة مفعول ( أذّن ) لتضمنه معنى القَول ، والتّقدير : قائلاً أنّ لعنة الله على الظّالمين .
والتّعبير عنهم بالظّالمين تعريف لهم بوصف جرى مجرى اللّقب تعرف به جماعتهم ، كما يقال : المؤمنين ، لأهل الإسلام ، فلا ينافي أنّهم حين وُصِفوا به لم يكونوا ظالمين ، لأنّهم قد علّموا بطلان الشّرك حقّ العلم وشأن اسم الفاعل أن يكون حقيقة في الحال مجازاً في الاستقبال ، ولا يكون للماضي ، وأمّا إجراء الصّلة عليهم بالفعلين المضارعين في قوله : { يَصدّون } وقوله : { ويَبغونها } وشأنُ المضارع الدّلالة على حدث حاصل في زمن الحال ، وهم في زمن التّأذين لم يكونوا متّصفين بالصدّ عن سبيل الله ، ولا ببغي عوج السّبيل ، فذلك لقصد ما يفيده المضارع من تكرّر حصول الفعل تبعاً لمعنى التّجدّد ، والمعنى وصفهم بتكرّر ذلك منهم في الزّمن الماضي ، وهو معنى قول علماء المعاني استحضار الحالة ، كقوله تعالى في الحكاية عن نوح : { ويصنع الفلك } [ هود : 38 ] مع أنّ زمن صنع الفلك مضى ، وإنّما قصد استحضار حالة التّجدّد ، وكذلك وصفهم باسم الفاعل في قوله : { وهم بالآخرة كافرون } فإن حقه الدلالة على زمن الحال ، وقد استعمل هنا في الماضي : أي كافرون بالآخرة فيما مضى من حياتهم الدّنيا ، وكلّ ذلك اعتماد على قرينة حال السّامعين المانعة من إرادة المعنى الحقيقي من صيغة المضارع وصيغة اسم الفاعل ، إذ قد عَلِم كلّ سامع أنّ المقصودين صاروا غير متلبّسين بتلك الأحداث في وقت التّأذين ، بل تلبّسوا بنقائضها ، فإنّهم حينئذ قد علموا الحقّ وشاهدوه كما دلّ عليه قولهم : { نَعَم } . وإنَّما عُرّفوا بتلك الأحوال الماضية لأنّ النّفوس البشريّة تعرّف بالأحوال التي كانت متلبسة بها في مدّة الحياة الأولى . فبالموت تنتهي أحوال الإنسان فيستقر اتّصاف نفسه بما عاشت عليه ، وفي الحديث : " يبعث كلّ عبد على ما مات عليه " رواه مسلم ، ويجوز أن تكون هذه اللّعنة كانت الملائكة يَلعنونهم بها في الدّنيا . فجهروا بها في الآخرة ، لأنّها صارت كالشّعار للكفرة ينادَون بها ، وهذا كما جاء في الحديث : " يؤتى بالمؤذّنين يوم القيامة يصرخون بالأذان " مع أنّ في ألفاظ الأذان ما لا يقصد معناه يومئذ وهو : « حيّ على الصّلاة حيّ على الفلاح » . وفي حكاية ذلك هنا إعلام لأصحاب هذه الصّفات في الدّنيا بأنّهم محقوقون بلعنة الله تعالى .