المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلرِّجۡزَ إِلَىٰٓ أَجَلٍ هُم بَٰلِغُوهُ إِذَا هُمۡ يَنكُثُونَ} (135)

135- فلما كشفنا عنهم العذاب مرة بعد أخرى إلى وقت هم منتهون إليه في كل مرة ، إذا هم ينقضون عهدهم ويحنثون في قسمهم ، ويعودون إلى ما كانوا عليه ، ولم تُجْد فيهم هذه المحن الزاجرة .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلرِّجۡزَ إِلَىٰٓ أَجَلٍ هُم بَٰلِغُوهُ إِذَا هُمۡ يَنكُثُونَ} (135)

ثم بين - سبحانه - موقفهم الجحودى فقال : { فَلَماَّ كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرجز إلى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } أى : فلما كشفنا عنهم العذاب مرة بعد مرة إلى الوقت الذي أجل لهم وهو وقت إغراقهم في اليم ، إذا هم ينكثون أى : ينقضون عهدهم الذي التزموه ، ويحنثون في قسمهم في كل مرة .

وينكثون : من النكث . وأصله فك طاقات الصوف المغزول ليغزل ثانيا ، ثم استعير لنقض العهد بعد إبرامه .

قال الآلوسى : وجواب " لما " فعل مقدر يؤذن به إذا الفجائية لا الجملة المقترنة بها ، أى : فلما كشفنا عنهم ذلك فاجأوا بالنكث من غير توقف " .

هذا ، وقد ساق بعض المفسرين آثارا متعددة في كيفية نزول هذا العذاب بهم . ونم هذه الآثار ما رواه أبو جعفر بن جرير - بسنده - عن سعيد بن جبير قال :

لما أتى موسى - عليه السلام - فرعون قال له : أرسل معى بنى إسرائيل ، فأرسل الله عليهم الطوفان وهو المطر فصب عليهم منه شيئا خافوا أن يكون عذابا . فقالوا لموسى : ادع لنا ربك أن يكشف عنا هذا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل . فدعا ربه ، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بنى إسرائيل . فأنبت لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته قبل ذلك من الزروع والثمار والكلأ ، فقالوا : هذا ما كنا نتمنى ، فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه على الكلأ فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقى الزرع فقالوا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم الجراد فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بنى إسرائيل ، فداسوا وأحرزوا في البيوت فقالوا : قد أحرزنا . فأرسل الله عليهم القمل وهو السوس الذي يرخج منه ، فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلم يرد منها إلا ثلاثة أقفزة - والجريب والقفزير مكيالان للحبوب ، والجريب أربعة أقفزة - فقاولا : يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا القمل فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل ، فدعا ربه فكشف عنهم فأبوا أن يرسلوا معه بنى إسرائيل . فبينما هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع فقال لفرعون : ما تلقى أنت وقومك من هذا . فقال : وما عسى أن يكون كيد هذا ، فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ، ويهم أن يتكلم فيثبت الضفدع في فيه فقالوا لموسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا هذه الضفادع فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا ، وأرسل الله عليهم الدم فكانوا ما استقوا من الأنهار والآبار ، وما كان في أوعيتهم وجدوه دما عبيطا ، فشكوا إلى فرعون ، فقالوا إنا قد ابتلينا بالدم وليس لنا شراب ، فقال : إنه قد سحركم ، فقالوا : من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئا من الماء إلا وجدناه دما عبيطا ؟ فأتوه وقالوا : يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك ونرسل معك بنى إسرائيل ، فدعا ربه فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بنى إسرائيل " .

قال ابن كثير : قد روى نحو هذا عن ابن عباس والسدى وقتادة وغير واحد من علماء السلف أنه أخبر بهذا .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ ٱلرِّجۡزَ إِلَىٰٓ أَجَلٍ هُم بَٰلِغُوهُ إِذَا هُمۡ يَنكُثُونَ} (135)

{ الرجز } العذاب ، والظاهر من الآية أن المراد بالرجز هاهنا العذاب المتقدم الذكر من الطوفان والجراد وغيره ، وقال قوم من المفسرين : الإشارة هنا بالرجز إنما هي إلى طاعون أنزله فيهم مات منهم في ليلة واحدة سبعون ألف قبطي ، وروي في ذلك أن موسى عليه السلام أمر بني إسرائيل بأن يذبحوا كبشاً وُيَضِّمخوا أبوابهم بالدم ليكون ذلك فرقاً بينهم وبين القبط في نزول العذاب .

قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف ، وهذه الأخبار وما شاكلها إنما تؤخذ من كتب بني إسرائيل فلذلك ضعفت ، وقولهم : { بما عهد } يريدون بذمامك وماَّتِتك إليه ، فهي تعم جميع الوسائل بين الله وبين موسى من طاعة من موسى ونعمة من الله تبارك وتعالى ، ويحتمل أن يكون ذلك منهم على جهة القسم على موسى ، ويحتمل أن يكون المعنى ادع لنا ربك ماتّاً إليه بما عهد إليك ، ويحتمل إن كان شعر أن بين الله تعالى وبين موسى في أمرهم عهد ما أن تكون الإشارة إليه ، والأول أعم وألزم ، والآخر يحتاج إلى رواية وقولهم : { لئن كشفت } أي بدعائك { لنؤمنن ولنرسلن } قسم وجوابه ، وهذا عهد من فرعون وملئه الذين إليهم الحل والعقد ، ولهم ضمير الجمع في قوله { لنؤمنن } ، وألفاظ هذه الآية تعطي الفرق بين القبط وبين بني إسرائيل في رسالة موسى ، لأنه لو كان إيمانهم به على أحد إيمان بني إسرائيل لما أرسلوا بني إسرائيل ولا فارقوا دينهم ، بل كانوا يشاركون فيه بني إسرائيل ، وروي أنه لما انكشف العذاب قال فرعون لموسى اذهب ببني إسرائيل حيث شئت فخالفه بعض ملئه فرجع فنكث .

وأخبر الله عز وجل أنه لما كشف عنهم العذاب نكثوا عهدهم الذي أعطوه موسى . و { إذا } هاهنا للمفاجأة ، و { إلى } متعلقة ب { كشفنا } و «الأجل » يراد به غاية كل واحد منهم بما يخصه من الهلاك والموت . وهذا اللازم من اللفظ كما تقول أخذت كذا إلى وقت وأنت لا تريد وقتاً بعينه ، وقال يحيى بن سلام : «الأجل » هنا الغرق .

قال القاضي أبو محمد : وإنما هذا القول لأنه رأى جمهور هذه الطائفة قد اتفق أن هلكت غرقاً فاعتقد أن الإشارة هنا بالأجل إنما هي إلى الغرق ، وهذا ليس بلازم لأنه لا بد أنه مات منهم قبل الغرق عالم وهم ممن أخر وكشف عنهم العذاب إلى أجل بلغه ، ودخل في هذه الآية فأين الغرق من هؤلاء ؟ وأين هو ممن بقي بمصر ولم يغرق ؟ وذكر بعض الناس أن معنى الكلام فلما كشفنا عنهم الرجز المؤجل إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون ، ومحصول هذا التأويل أن العذاب كان مؤجلاً ، والمعنى الأول أفصح لأنه تضمن توعداً ما وقرأ أبوالبرهشم وأبو حيوة : «ينكِثون » بكسر الكاف ، والنكث نقض ما أبرم ، ويستعمل في الأجسام وفي المعاني ، وقرأ ابن محيصن ومجاهد وابن جبير «الرُّجز » بضم الراء في جميع القرآن ، قال أبو حاتم : إلا أن ابن محيصن كسر حرفين «رجز الشيطان » «والرجز فاهجر » .

قال القاضي أبو محمد : رآهما بمعنى آخر بمثابة الرجز والنتن الذي يجب التطهر منه .