ثم بين - سبحانه - أحوال هؤلاء المشركين ، عندما يذكر - سبحانه - وحده دون أن تذكر معه آلهتهم ، كما بين أحوالهم السيئة يوم القيامة ، وكيف أنهم يندمون ولا ينفعهم الندم ، وكيف أنهم لو ملكوا فى هذا اليوم ما فى الأرض جميعا ومثله معه ، لقدموه فداء لأنفسهم من أهوال عذاب يوم القيامة . . فقال - تعالى - :
{ وَإِذَا ذُكِرَ الله وَحْدَهُ اشمأزت . . . } .
قوله - تعالى - : { اشمأزت . . } أى : نفرت وانقبضت وذعرت ، مأخوذ من الشَّمْزِ ، وهو نفور النفس مما تكرهه .
قال الإِمام الرازى : أعلم أن هذا نوع آخر من الأعمال القبيحة للمشركين وهو أنك إذا ذكرت الله وحده . . ظهرت آثار النفرة فى وجوههم وقلوبهم ، وإذا ذكرت الأًنام والأوثان ظهرت آثار الفرح . . وذلك يدل على الجهل والحماقة ، لأن ذكرالله رأس السعادة ، وعنوان الخيرات ، وأما ذكر الأصنام فهو رأس الحماقات . .
أى : إنك - أيها الرسول الكريم - إذا ذكرت الله - تعالى - وحده ، ونسبت إليه ما يليق به - سبحانه - من وحدانيته وقدرته . . دون أن ذتكر معه الأصنام اشمأزت وانقبضت وذعرت نفوس هؤلاء المشركين الجهلاء ، أما إذا ذكرت آلهتهم سواء أذكرت الله - تعالى - معها أم لم تذكره ، إذا هم يستبشرون ويبتهجون .
والتعبير بالاشمئزاز والاستبشار ، يشعر بأنهم قد بلغوا الغاية فى الأمرين ، فهم عند ذكر الله - تعالى - تمتلئ قلوبهم إلى نهايتهم غما وهما وانقباضا وذعرا . وعند ذكر أصنامهم تمتلئ قلوبهم إلى نهايتها - أيضا - بهجة وسرورا حتى لتظهر آثار ذلك على بشرتهم . . .
وحالهم هذا يدل على أنهم قد بلغوا الغاية - أيضا - فى الجهالة والسفاهة والغفلة . .
وهذا الذى ذكرته الآية الكريمة من اشمئزاز الكافرين عند ذكر الله - تعالى - واستبشارهم عند ذكر غيره ، نرى ما يشبهه عند كثير من الناس . . .
فكم من أناس إذا حدثتهم عن ذات الله - تعالى - وصفاته ، وعن سلامة دينه وتشريعاته ، وعن آداب قرآنه وهداياته ، وعن كل ما يتعلق بوجوب تنفيذ أوامره ونواهيه . . انقبضت نفوسهم ، واكفهرت وجوههم ، وتمنوا لو أنك تركت الحديث عن ذلك .
أما إذا سمعوا ما يتعلق بالتشريعات والنظم التى هى من صنع البشر - استبشرت نفوسهم ، وابتهجت أساريرهم .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - : { وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وفي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي القرآن وَحْدَهُ وَلَّوْاْ على أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً } وقال الآلوسى : وقد رأينا كثيرا من النسا على نحو هذه الصفة التى وصف الله - تعالى - بها المشركين ، يهشون لذكر أموات يستغيثون بهم ويطلبون منهم ، ويطربون من سماع حكايات كاذبة عنهم . . وينقبضون من ذكر الله - تعالى - وحده - ونسبة الاستقلال بالتصرف إليه - عز وجل - وسرد ما يدل على مزيد عظمته وجلاله . وينفرون ممن يفعل ذلك كل النفرة ، وينسبونه إلى ما يكره . .
ثم قال تعالى ذاما للمشركين أيضا : { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ } أي : إذا قيل : لا إله إلا الله { اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ } قال مجاهد : { اشْمَأَزَّتْ } انقبضت .
وقال السدي : نفرت . وقال قتادة : كفرت واستكبرت . وقال مالك ، عن زيد بن أسلم : استكبرت . كما قال تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ } [ الصافات : 35 ] ، أي : عن المتابعة والانقياد لها . فقلوبهم{[25152]} لا تقبل الخير ، ومن لم يقبل الخير يقبل الشر ؛ ولهذا قال : { وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } أي : من الأصنام والأنداد ، قاله مجاهد ، { إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } أي : يفرحون ويسرون .
{ وإذا ذكر الله وحده } دون آلهتهم . { اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة } انقبضت ونفرت . { وإذا ذكر الذين من دونه } يعني الأوثان . { إذا هم يستبشرون } لفرط افتتانهم بها ونسيانهم حق الله ، ولقد بالغ في الأمرين حتى بلغ الغاية فيهما ، فإن الاستبشار أن يمتلئ قلبه سرورا حتى تنبسط له بشرة وجهه ، والاشمئزاز أن يمتلئ غما حتى ينقبض أديم وجهه ، والعامل في { إذا ذكر } العامل في إذ المفاجأة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.