{ وَإِنَّهُ } أى : هذا القرآن { لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } أى : لشرف عظيم لك ولشرف عظيم لأهل مكة الذين بعثت فيهم بصفة خاصة ، ولغيرهم ممن آمن بك بصفة عامة كما قال - تعالى - : { لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ . . . } أى : عزكم وشرفكم .
وقوله : { وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } تحذير من مخالفة ما اشتمل عليه هذا القرآن من أحكام وآداب وتشريعات .
أى : وسوف تسألون يوم القيامة عنه ، وعن القيام بحقه ، وعن مقدار تمسككم بأوامره ونواهيه وعن شكركم لله - تعالى - على نحكم لهذه النعمة .
ثم قال : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } قيل : معناه لشرف{[26058]} لك ولقومك ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد . واختاره ابن جرير ، ولم يحك سواه .
وأورد البغوي هاهنا حديث الزهري ، عن محمد بن جبير بن مطعم ، عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكَبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين " . رواه البخاري . {[26059]}
و[ قيل ] {[26060]} معناه : أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم ، فهم أفهم الناس له ، فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه ، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخُلَّص من المهاجرين السابقين الأولين ، ومن شابههم وتابعهم .
وقيل : معناه : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ } أي : لتذكير لك ولقومك ، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم ، كقوله : { لَقَدْ أَنزلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ } [ الأنبياء : 10 ] ، وكقوله : { وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] .
{ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } أي : عن هذا القرآن وكيف كنتم في العمل به والاستجابة له .
وقوله : وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ يقول تعالى ذكره : وإن هذا القرآن الذي أوحي إليك يا محمد الذي أمرناك أن تستمسك به لشرف لك ولقومك من قريش وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ يقول : وسوف يسألك ربك وإياهم عما عملتم فيه ، وهل عملتم بما أمركم ربكم فيه ، وانتهيتم عما نهاكم عنه فيه ؟ . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس : قوله : وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ يقول : إن القرآن شرف لك .
حدثني عمرو بن مالك ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : وَإنّهُ لَذَكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قال : يقول للرجل : من أنت ؟ فيقول : من العرب ، فيقال : من أيّ العرب ؟ فيقول : من قريش .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وهو هذا القرآن .
حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قال : شرف لك ولقومك ، يعني القرآن .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَإنّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ قال : أو لم تكن النبوّة والقرآن الذي أنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم ذكرا له ولقومه .
وقوله : { وإنه لذكر لك } يحتمل أن يريد وإنه لشرف وحمد في الدنيا . والقوم : على هذا قريش ثم العرب ، وهذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي وابن زيد . قال ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على القبائل ، فإذا قالوا له : فلمن يكون الأمر بعدك ؟ سكت حتى نزلت هذه الآية ، فكان إذا سئل بعد ذلك ، قال لقريش ، فكانت العرب لا تقبل على ذلك حتى قبلته الأنصار رضي الله عنهم{[10213]} وروي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا يزال الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان »{[10214]} وروى أبو موسى الأشعري عنه صلى الله عليه وسلم : «لا يزال الأمر في قريش ما زالوا ، إذ حكوا عدلوا ، وإذا استرحموا رحموا ، وإذا عاهدوا وفوا ، فمن لم يفعل ذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين »{[10215]} .
وروى معاوية أنه عليه السلام قال : «لا يزال هذا الأمر في قريش ما أقاموا الدين »{[10216]} . ويحتمل أن يريد وإنه لتذكرة وموعظة ، ف «القوم » على هذا أمة بأجمعها ، وهذا قول الحسن بن أبي الحسن ، وقوله : { وسوف تسئلون } قال ابن عباس وغيره معناه : عن أوامر القرآن ونواهيه : وقال الحسن بن أبي الحسن معناه : عن شكر النعمة فيه ، واللفظ يحتمل هذا كله ويعمه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.