ثم فصل - سبحانه - أحوال بعض الذين كذبوا بالساعة ، وبين ما ترتب على تكذيبهم من عذاب أليم فقال : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بالقارعة . فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بالطاغية . وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } .
وثمود : هم قوم صالح - عليه السلام - ، سموا بذلك باسم جدهم ثمود . وقيل سموا بذلك لقلة المياه التى كانت فى مساكنهم ، لأن الثمد هو الماء القليل .
وكانت مساكنهم بين الحجاز والشام . وما زالت أماكنهم معروفة باسم قرى صالح وتقع بين المملكة الأردنية الهاشمية ، والمملكة العربية السعودية .
وقد ذكرت قصتهم فى سور : الأعراف ، وهود ، والشعراء ، والنمل ، والقمر . . إلخ .
وأما عاد فهم قبيلة عاد ، سوموا بذلك نسبة إلى جدهم الذى كان يسمى بهذا الاسم ، وكانت مساكنهم بالأحقاف باليمن - والأحقاف جمع حِقف وهو الرمل الكثير المائل . . وينتهى نسب عاد وثمود إلى نوح - عليه السلام - .
والقارعة : اسم فاعل من قرعه ، إذا ضربه ضربا شديدا ، ومنه قوارع الدهر ، أى : شدائده وأهواله ، ويقال : قرع فلان البعير ، إذا ضربه ومنه قولهم : العبد يقرع بالعصا .
ولفظ القارعة ، من أسماء يوم القيامة ، وسمى يوم القيامة بذلك ، لأنه يقرع القلوب ويزجرها لشدة أهواله : وهو صفة لموصوف محذوف ، أى : بالساعة القارعة .
والطاغية من الطغيان وهو تجاوز الحد ، والمراد بها هنا الصاعقة أو الصيحة التى أهلكت قوم ثمود ، كما قال - تعالى - : { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ } والعاتية من العتو بمعنى الشدة والقوة وتجاوز الحد .
أى : كذبت قبيلة ثمود ، وقبيلة عاد ، بالقيامة التى تقرع القلوب ، وتزلزل النفوس ، لإأما قبيلة " ثمود " فأهلكوا ، بالصيحة أو بالصاعقة ، أو بالرجفة ، التى تجاوزت الحد فى الشدة والهول والطغيان .
وأما قبيلة عاد ، فأهلكت بالريح الشديدة ، التى لها صوت عظيم ، والتى تجاوزت كل حد فى قوتها .
وابتدأ - سبحانه - بذكر ما أصاب هاتين القبيليتين ، لأنهما أكثر القبائل المكذبة معرفة لمشركى قريش ، لأنهما من القبائل العربية ، ومساكنها كانت فى شمال وجنوب الجزيرة العربية .
وقوله : وأمّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ يقول تعالى ذكره : وأما عاد قوم هود فأهلكهم الله بريح صرصر ، وهي الشديدة العصوف مع شدّة بردها عاتَيَةٍ يقول : عتت على خزانها في الهبوب ، فتجاوزت في الشدّة والعصوف مقدارها المعروف في الهبوب والبرد . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس ، قوله : وأمّا عادٌ فأُهْلَكُوا بَرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ يقول : بريح مهلكة باردة ، عتت عليهم بغير رحمة ولا بركة ، دائمة لا تَفْتُر .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وأمّا عادٌ فأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ والصرصر الباردة عتت عليهم حتى نقبت عن أفئدتهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن موسى بن المسيب ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس ، قال ما أرسل الله من ريح قطّ إلا بمكيال ولا أنزل قطرة قطّ إلا بمثقال ، إلا يوم نوح ويوم عاد ، فإن الماء يوم نوح طغى على خزانه ، فلم يكن لهم عليه سبيل ، ثم قرأ : إنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلْناكُمْ في الجارِيَةِ وإن الريح عتت على خزّانها فلم يكن لهم عليها سبيل ، ثم قرأ : بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، قال : حدثنا أبو سنان ، عن غير واحد ، عن عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه ، قال : «لم تنزل قطرة من ماء إلا بكيل على يدي مَلك فلما كان يوم نوح أذن للماء دون الخُزّان ، فطغى الماء على الجبال فخرج ، فذلك قول الله : إنّا لَمّا طَغَى الماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الجارِيَةِ ولم ينزل من الريح شيء إلا بكيل على يدي مَلك إلاّ يوم عاد ، فإنه أذن لها دون الخزّان ، فخرجت ، وذلك قول الله : بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ عتت على الخزّان » .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ قال : الصرصر : الشديدة ، والعاتية : القاهرة التي عتت عليهم فقهرتهم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : صَرْصَرٍ قال : شديدة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : بِرِيحٍ صَرْصَرٍ يعني : باردة عاتية ، عتت عليهم بلا رحمة ولا بركة .
و : «الصرصر » يحتمل أن يكون من الصر أي البرد ، وهو قول قتادة ، ويحتمل أن يكون من صر الشيء إذا صوت ، فقال قوم : صوت الريح { صرصر } ، كأنه يحكي هذين الحرفين . و «العاتية » معناه : الشديدة المخالفة ، فكانت الريح عتت على الخزان بخلافها وعتت على قوم عاد بشدتها . وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أنهما قالا : إنه لم ينزل من السماء قطرة ماء إلا بمكيال على يد ملك ولا هبت ريح إلا كذلك إلا ما كان من طوفان نوح وريح عاد ، فإن الله أذن لهما في الخروج دون إذن الخزان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.