وقوله - تعالى - : { لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } بيان للحكم الذى أصدره سليمان - عليه السلام - على الهدهد بسبب غيابه بدون إذن .
أى : لأعذبن الهدهد عذاباً شديداً يؤلمه ، أو لأذبحنه ، أو ليأتينى بحجة قوية توضح سبب غيابه . وتقنعنى بالصفح عنه ، وبترك تعذيبه ، أو ذبحه .
فأنت ترى أن سليمان - عليه السلام - وهو النبى الملك الحكيم العادل - يقيد تعذيب الهدهد أو ذبحه . بعدم إتيانه بالعذر بالمقبول عن سبب غيابه ، أما إذا أتى بهذا العذر فإنه سيعفو عنه ، ويترك عقابه .
فكأنه - عليه السلام - يقول : هذا الهدهد الغائب إما أن أعذبه عذاباً شديداً وإما أن أذبحهى بعد حضوره ، وإما أن يأتينى بعذر مقبول عن سبب غيابه ، وفى هذه الحالة فأنا سأعفو عنه .
وقوله : { لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا } : قال الأعمش ، عن المِنْهَال بن عمرو ، عن سعيد ، عن ابن عباس : يعني نتف ريشه .
وقال عبد الله بن شداد : نتف ريشه وتشميسه . وكذا قال غير واحد من السلف : إنه نتف ريشه ، وتركه مُلْقًى يأكله الذر والنمل .
وقوله : { أَوْ لأذْبَحَنَّهُ } يعني : قتله ، { أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أي : بعذر واضح بين .
وقال سفيان بن عيينة ، وعبد الله بن شداد : لما قدم الهدهد قال له الطير : ما خلفك ، فقد نذر سليمان دمك ! فقال : هل استثنى ؟ فقالوا : نعم ، قال : { لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } فقال : نجوت إذًا .
قال مجاهد : إنما دفع [ الله ]{[22012]} عنه ببره بأمه{[22013]} .
وقوله : لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا يقول : فلما أخبر سليمان عن الهدهد أنه لم يحضر وأنه غائب غير شاهد ، أقسم لأُعَذّبَنّه عَذَابا شَدِيدا وكان تعذيبه الطير فيما ذُكر عنه إذا عذّبها أن ينتف ريشها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا الحماني ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، في قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا قال : نتف ريشه .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا ابن عطية ، عن شريك ، عن عطاء ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، في لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا عذابه : نتفه وتشميسه .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا قال : نتف ريشه وتشميسه .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا قال : نتف ريشه كله .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، عن مجاهد ، قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شدِيدا قال : نتف ريش الهدهد كله ، فلا يغفو سنة .
قال : ثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة ، قال : نتف ريشه .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا يقول : نتف ريشه .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن يزيد بن رومان أنه حدّث أن عذابه الذي كان يعذّب به الطير نتف جناحه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : قيل لبعض أهل العلم : هذا الذبح ، فما العذاب الشديد ؟ قال : نتف ريشه بتركه بَضعة تنزو .
حدثنا سعيد بن الربيع الرازيّ ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن بشار ، عن ابن عباس ، في قوله لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا قال : نتفه .
حدثني سعيد بن الربيع ، قال : حدثنا سفيان ، عن حسين بن أبي شدّاد ، قال : نتفه وتشميسه .
أو لأذبحنه ، يقول : أو لأقتلنه . كما :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : أوْ لأَذْبَحَنّه يقول : أو لأقتلنه .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عباد بن العوّام ، عن حُصَين ، عن عبد الله بن شدّاد : لأُعَذّبَنّهُ عَذَابا شَدِيدا أَوْ لأَذْبحَنّهُ . . . الاَية ، قال : فتلقاه الطير ، فأخبره ، فقال : ألم يستثن ؟
وقوله : أوْ لَيَأْتِيَنّي بسُلْطانٍ مُبِينٍ يقول : أو ليأتيني بحجة تبين لسامعها صحتها وحقيقتها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عليّ بن الحسين الأزديّ ، قال : حدثنا المعافىَ بن عمران ، عن سفيان ، عن عمار الدّهْني ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عباس ، قال : كل سلطان في القرآن فهو حجة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله أوْلَيَأْتِيَنّي بِسُلْطانٍ مَبِينٍ يقول : ببينة أعذره بها ، وهو مثل قوله : الّذِينَ يُجادِلُونَ في آياتِ اللّهِ بغَيْرِ سُلْطانٍ يقول : بغير بيّنة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا سفيان ، عن رجل ، عن عكرِمة ، قال : كل شيء في القرآن سلطان ، فهو حجة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا عبد الله ، بن يزيد ، عن قَباث بن رَزِين ، أنه سمع عكرِمة يقول : سمعت ابن عباس يقول : كلّ سلطان في القرآن فهو حجة ، كان لهدهد سلطان .
حدثنا الحسين ، قال : حدثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قَتادة أوْلَيَأْتِيَنّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قال : بعذر بين .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه أوْلَيأْتِيَنّي بِسُلْطانٍ مُبِينِ : أي بحجة عذر له في غيبته .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : أوْليَأْتِيَنّي بِسُلْطانٍ مُبِينِ يقول : ببينة ، وهو قول الله الّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بغَيْرِ سُلْطانٍ بغير بينة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله أوْلَيَأْتِيَنّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ قال : بعذر أعذره فيه .
{ لأعذبنه عذابا شديدا } كنتف ريشه وإلقائه في الشمس ، أو حيث النمل يأكله أو جعله مع ضده في قفص . { أو لأذبحنه } ليعتبر به أبناء جنسه . { أو ليأتيني بسلطان مبين } بحجة تبين عذره ، والحلف في الحقيقة على أحد الأولين بتقدير عدم الثالث لكن لما اقتضى ذلك وقوع أحد الأمور الثلاثة ثلث المحلوف عليه بعطفه عليهما ، وقرأ ابن كثير أو " ليأتينني " بنونين الأولى مفتوحة مشددة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.