البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (21)

{ لأعذبنه عذاباً شديداً } : أبهم العذاب الشديد ، وفي تعيينه أقوال متعارضة ، والأجود أن يجعل أمثلة .

فعن ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جريج : نتف ريشه .

وقال ابن جريج : ريشه كله .

وقال يزيد بن رومان : جناحه .

وقال ابن وهب : نصفه ويبقى نصفه .

وقيل : يزاد مع نتفه تركه للشمس .

وقيل : يحبس في القفص .

وقيل : يطلى بالقطران ويشمس .

وقيل : ينتف ويلقى للنمل .

وقيل : يجمع مع غير جنسه .

وقيل : يبعد من خدمة سليمان عليه السلام .

وقيل : يفرق بينه وبين إلفه .

وقيل : يلزم خدمة امرأته ، وكان هذا القول من سليمان غضباً لله ، حيث حضرت الصلاة وطلب الماء للوضوء فلم يجده ، وأباح الله له ذلك للمصلحة ، كما أباح البهائم والطيور للأكل ، وكما سخر له الطير ، فله أن يؤذّيه إذا لم يأت ما سخر له .

وقرأ الجمهور : أو ليأتيني ، بنون مشددة بعدها ياء المتكلم ، وابن كثير : بنون مشددة بعدها نون الوقاية بعد الياء ؛ وعيسى بن عمر : بنون مشددة مفتوحة بغير ياء .

والسلطان المبين : الحجة والعذر ، وفيه دليل على الإغلاط على العاصين وعقابهم .

وبدأ أولاً بأخف العقابين ، وهو التعذيب ؛ ثم أتبعه بالأشد ، وهو إذهاب المهجة بالذبح ، وأقسم على هذين لأنهما من فعله ، وأقسم على الإتيان بالسلطان وليس من فعله .

لما نظم الثلاثة في الحكم بأو ، كأنه قال : ليكونن أحد الثلاثة ، والمعنى : إن أتى بالسلطان ، لم يكن تعذيب ولا ذبح ، وإلا كان أحدهما .

ولا يدل قسمه على الإتيان على ادعاء دراية ، على أنه يجوز أن يتعقب حلفه بالفعلين وحي من الله بأنه يأتيه بسلطان ، فيكون قوله : { أو ليأتيني بسلطان مبين } عن دراية وإيقان .