السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابٗا شَدِيدًا أَوۡ لَأَاْذۡبَحَنَّهُۥٓ أَوۡ لَيَأۡتِيَنِّي بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ} (21)

فلما دخل على سليمان وقت الصلاة سأل الإنس والجنّ والشياطين عن الماء فلم يعلموه ، فتفقد الهدهد فلم يجده فدعا عريف الطير وهو النسر فسأله عنه فقال أصلح الله الملك ما أدري أين هو ، وما أرسلته مكاناً ، فغضب سليمان عند ذلك وقال : { لأعذبنه } أي : بسبب غيبته فيما لم آذن فيه { عذاباً شديداً } أي : مع بقاء روحه ردعاً لأمثاله { أو لأذبحنه } أي : بقطع حلقومه أي : تأديباً لغيره { أو ليأتيني بسلطان مبين } أي : بحجة واضحة .

واختلفوا في تعذيبه الذي أوعده به على أقوال : قال البغوي : أظهرها أنّ عذابه أن ينتف ريشه وذنبه ويلقيه في الشمس ممعطاً لا يمتنع من النمل والذباب ولا من هوام الأرض انتهى ، وقيل : تعذيبه أن يؤذيه بما لا يحتمله ليعتبر به أبناء جنسه ، وقيل : كان عذاب سليمان للطير أن ينتف ريشه ويشمسه ، وقيل : أن يطلى بالقطران ويشمس ، وقيل : أن يلقى للنمل تأكله ، وقيل : إيداعه القفص ، وقيل : التفريق بينه وبين ألفه ، وقيل : لألزمنه صحبة الأضداد .

قال الزمخشريّ : وعن بعضهم : أضيق السجون معاشرة الأضداد ، وقيل : لألزمنه خدمة أقرانه ، ثم دعا العقاب سيد الطير فقال له : عليّ بالهدهد الساعة فرفع العقاب نفسه دون السماء حتى التزق بالهواء فنظر الدنيا كالقصعة بين يدي أحدكم ، فالتفت يميناً وشمالاً فإذا بالهدهد مقبلاً من نحو اليمن ، فانقض العقاب نحوه يريده فلما رأى الهدهد ذلك علم أنّ العقاب يقصده بسوء ، فناشده فقال بحق الله الذي قواك وأقدرك عليّ إلا ما رحمتني ولم تتعرّض لي بسوء ، فولى عنه العقاب وقال له ويلك ثكلتك أمّك إنّ نبيّ الله قد حلف أن يعذبك أو ليذبحنك ، قال فما استثنى ، قال : بلى ، قال أو ليأتيني بسلطان مبين ، ثم طارا متوجهين نحو سليمان فلما انتهى إلى العسكر تلقاه النسر والطير فقالوا له ويلك أين غبت في يومك هذا فلقد توعدك نبي الله وأخبروه بما قال ، فقال الهدهد وما استثنى نبي الله عليه السلام ؟ قالوا : بلى ، قال أو ليأتيني بسلطان مبين ، قال فنجوت إذاً ، ثم طار العقاب والهدهد حتى أتيا سليمان ، وكان قاعداً على كرسيه ، فقال العقاب قد أتيتك به يا نبيّ الله .